صنعاء- سبأ: مرزاح العسل
بعد أن أقض مضاجع قادة كيان العدو الصهيوني وحلفائِه وقُطعان مستوطنيه.. اُستشهد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس يحي السنوار، ليلتحق بركب الشهداء العظماء، بطلاً مُغواراً حاملاً سلاحه وُمرتدياً جعبته العسكرية، حارماً كيان العدو من صورة نصر بحث عنها طوال سنوات.
وفي هذا السياق.. ختم القائد السنوار (رحمة الله عليه) مسيرته الجهادية التي استمرت منذ شبابه لأكثر من 40 عاماً، مُثبتاً السردية التي يعرفها الفلسطينيون عنه قائداً محارباً وموجوداً في الميدان، ومُحطماً سردية العدو الصهيوني التي حاولت دائماً تصويره على أنه هارب ومختبئ في الأنفاق.
وأبى القائد السنوار إلا أن يستمر في مهمته حتى وهو عند ربه شهيداً، حيث ارتقى إلى ربه شهيداً، مُشتبكًا، مُقبلاً غير مُدبر، في خاتمة تنبض بطولة وعزة، وترسم معالم الطريق في المواجهة بين أصحاب الحق الصادقين وعدوهم المجرم الغاصب.
ونعت حركة المقاومة الإسلامية حماس في بيان لها، اليوم الجمعة، الشهيد يحيى السنور (أبو إبراهيم) رئيس مكتبها السياسي وقائد معركة طوفان الأقصى.. قائلة: "تنعى حركة المقاومة الإسلامية حماس، إلى شعبنا الفلسطيني وإلى أمتنا جميعا وأحرار العالم رجلا من أنبل الرجال وأشجع الرجال، رجلا كرس حياته من أجل فلسطين، وقدم روحه في سبيل الله على طريق تحريرها، صدق الله فصدقه الله، واصطفاه شهيدا مع من سبقه من إخوانه الشهداء.
وأضافت الحركة في بيانها: "ننعى القائد الوطني الكبير الأخ المجاهد الشهيد يحيى السنور (أبو إبراهيم) رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقائد معركة طوفان الأقصى الذي ارتقى بطلاً شهيداً، مقبلاً غير مُدبر، مُمْتَشقاً سلاحه، مشتبكاً ومواجهاً لجيش الاحتلال في مقدّمة الصفوف، يتنقل بين كل المواقع القتالية صامداً مرابطاً ثابتاً على أرض غزَّة العزَّة، مدافعاً عن أرض فلسطين ومقدساتها، ومُلهماً في إذكاء روح الصُّمود والصَّبر والرّباط والمقاومة".
كما نعت مختلف الفصائل الفلسطينية الشهيد القائد يحيي السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والذي استشهد يوم الأربعاء بعد اشتباك مع قوة صهيونية في تل السلطان برفح جنوب قطاع غزة.
وفي اليوم الـ377 لمعركة طوفان الأقصى، جاء الكشف عن استشهاد القائد المُشتبك، في المعركة التي شاركت فيها كل القوى العالمية العظمى وبدعمٍ عسكري واستخباراتي توشك أن تغير وجه المنطقة، بما تخللها من بطولات وصمود شعبي في وجه أبشع جرائم الإبادة الجماعية في العصر الحديث.
وفي الخاتمة الأسطورية، التي تمثل بداية جديدة، ظهر السنوار بجعبته العسكرية ولثامه وشجاعته ورباطة جأشه وصموده، مُصاباً في يده، فيربطها بسلك حديدي ويقاوم حتى النفس الأخير، ليرحل شامخًا كما شعبه الصامد وجبال غزة الراسخة بصورة البطل المقدام.
وهذه الخاتمة التي تمناها، وعبر عنها، وعمل من أجلها القائد السنوار، وهي نيل الشهادة في مواجهة عدوه دفاعاً عن شرف الأمّة بأكملها وهو الذي قاد معركة طوفان الأقصى، ولا تزال كلماته تتردد في أصداء الكون: "إن كنا نخشى الموت فنحن نخشى الموت على فراشنا كما يموت البعير، نخشى أن نموت في حوادث الطرق أو بجلطة دماغية أو بسكتة قلبية، لكننا لا نخشى أن نقتل في سبيل ديننا ووطننا ومقدساتنا، ودماؤنا وأرواحنا ليست أغلى من دماء أصغر شهيد قدم روحه".
وسعى العدو الصهيوني تحديداً إلى اغتياله بكل قوته خلال السنة الأخيرة، بعدما اتهمه بأنه الرأس المدبر لهجمات "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر 2023، كما سعى العدو للنيل من سيرته وصورته، وهو القائد الفذّ الذي لا تضعف له عزيمة ولا تلين له قناة، فجاءت الصورة لقائد المكتب السياسي لحماس مشتبًكًا في الصفوف الأولى وفي الميدان الأكثر خطورة جبهة القتال الأولى يقود المعركة فوق الأرض، لا كما زعم الصهاينة من الأنفاق محاطًا بالأسرى.
ولأن الحق ما شهدت به الأعداء، فقد خرجت الصورة من بين يدي قاتليه، برهانًا على أنّ قادة المقاومة يقدمون دماءهم ويذودون عن شعبهم بأرواحهم التي طالما أكدوا أنها ليست أغلى من أرواح شعبهم الصامد المصابر الثابت رغم المصاب الجلل.
من هو القائد الجهادي يحيى السنوار:
يحيى السنوار رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، من مواليد عام 1962، اعتقله العدو الصهيوني عدة مرات وحكم عليه بأربع مؤبدات قبل أن يُفرج عنه بصفقة تبادل أسرى عام 2011، وعاد إلى نشاطه في قيادة كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحماس).
انتخب رئيسا للحركة في قطاع غزة عام 2017 ومرة أخرى عام 2021، وفي 2024 انتخب رئيسا للمكتب السياسي للحركة بعد اغتيال العدو الصهيونية سلفه إسماعيل هنية.
يعتبره العدو الصهيوني مهندس عملية طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر 2023، التي كبدته خسائر بشرية وعسكرية وهزت صورة أجهزته الاستخباراتية والأمنية أمام العالم، فأعلن أن تصفيته أحد أهداف عمليته "السيوف الحديدية" على القطاع، والتي جاءت ردا على عملية "طوفان الأقصى".
ولد يحيى إبراهيم حسن السنوار يوم 19 أكتوبر 1962 في مخيم خانيونس للاجئين جنوب قطاع غزة، ونزحت أسرته من مدينة مجدل شمال شرق القطاع بعد أن احتلها العدو الصهيوني إثر نكبة عام 1948 وغير إسمها إلى "أشكلون" (عسقلان).
تلقى تعليمه في مدرسة خانيونس الثانوية للبنين، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية بغزة ويتخرج منها بدرجة البكالوريوس في شعبة الدراسات العربية.
نشأ في ظروف صعبة وتأثر في طفولته بالاعتداءات والمضايقات المتكررة للعدو الصهيوني لسكان المخيمات.
تزوج في 21 نوفمبر 2011 من سمر محمد أبو زمر، وهي سيدة غزية حاصلة على ماجستير تخصص أصول الدين من الجامعة الإسلامية بغزة، له ابن واحد يدعى إبراهيم.
ساعده النشاط الطلابي على اكتساب خبرة وحنكة أهلته لتولي أدوار قيادية في حركة حماس بعد تأسيسها عام 1987 خلال انتفاضة الحجارة.
أسس مع خالد الهندي وروحي مشتهى -بتكليف من مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين– عام 1986 جهازا أمنيا أطلق عليه منظمة الجهاد والدعوة ويعرف باسم "مجد".
وكانت مهمة هذه المنظمة الكشف عن عملاء وجواسيس العدو الصهيوني وملاحقتهم، إلى جانب تتبع ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الصهيونية، وما لبثت أن أصبحت هذه المنظمة النواة الأولى لتطوير النظام الأمني الداخلي لحركة حماس.
اُعتقل لأول مرة عام 1982 بسبب نشاطه الطلابي وكان عمره حينها 20 عاما، ووضع رهن الاعتقال الإداري أربعة أشهر وأعيد اعتقاله بعد أسبوع من إطلاق سراحه، وبقي في السجن ستة أشهر من دون محاكمة.. وفي عام 1985 اُعتقل مُجدداً وحُكم عليه بـثمانية أشهر.
وفي 20 يناير 1988، اُعتقل مرة أخرى وحوكم بتهم تتعلق بقيادة عملية اختطاف وقتل جنديين صهاينة، وقتل أربعة فلسطينيين يشتبه في تعاونهم مع الكيان الصهيوني، وصدرت في حقه أربعة مؤبدات (مدتها 426 عاما).
وخلال فترة اعتقاله تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس في السجون لدورتين تنظيميتين، وساهم في إدارة المواجهة مع مصلحة السجون خلال سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما في ذلك إضرابات أعوام 1992 و1996 و2000 و2004.
تنقل بين عدة سجون؛ منها المجدل وهداريم والسبع ونفحة، وقضى أربع سنوات في العزل الانفرادي، عانى خلالها من آلام في معدته، وأصبح يتقيأ دما وهو في العزل.
حاول الهروب من سجنه مرتين، الأولى حين كان معتقلا في سجن المجدل بعسقلان، والثانية وهو في سجن الرملة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل.
أُطلق سراح يحيى السنوار عام 2011، وكان واحدا من بين أكثر من ألف أسير حرروا مقابل الجندي الصهيوني جلعاد شاليط ضمن ما سمي صفقة "وفاء الأحرار".. وتمت الصفقة بعد أكثر من خمس سنوات قضاها شاليط في الأسر بغزة، ولم ينجح العدو خلال عدوانه الذي شنه على القطاع نهاية 2008 في تخليصه من الأسر.
وبعد الخروج من السجن انتخب السنوار عضوا في المكتب السياسي لحركة حماس خلال الانتخابات الداخلية للحركة سنة 2012، كما تولى مسؤولية الجناح العسكري كتائب عز الدين القسام، وشغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي للحركة وقيادة الكتائب.
كان له دور كبير في التنسيق بين الجانبين السياسي والعسكري في الحركة خلال العدوان الصهيوني على غزة عام 2014.. وأجرى بعد انتهاء هذا العدوان تحقيقات وعمليات تقييم شاملة لأداء القيادات الميدانية، وهو ما نتج عنه إقالة قيادات بارزة.
وفي عام 2015 عينته حركة حماس مسؤولا عن ملف الأسرى الصهاينة لديها، وكلفته بقيادة المفاوضات بشأنهم مع العدو، وفي السنة نفسها صنفته الولايات المتحدة الأمريكية في قائمة "الإرهابيين الدوليين"، كما وضعته "إسرائيل" على لائحة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة.
وانتخب يوم 13 فبراير 2017 رئيسا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفا لإسماعيل هنية.. حاول في هذه الفترة إصلاح العلاقات بين حركة حماس في غزة والسلطة الفلسطينية بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في الضفة الغربية، وإنهاء حالة الانقسام السياسي في الأرضي الفلسطينية ضمن مصالحة وطنية، إلا أن هذه المحاولات انتهت بالفشل.
وفي مارس 2021، اُنتخب رئيسا لحركة حماس في غزة لولاية ثانية مدتها أربع سنوات في الانتخابات الداخلية للحركة.
تعرض منزله للقصف عدة مرات، إذ قصفته طائرات العدو الصهيوني ودمرته بالكامل عام 2012، وخلال العدوان على قطاع غزة عام 2014، ثم خلال غارات جوية صهيونية في مايو 2021.
يوصف السنوار بأنه شخصية حذرة، لا يتكلم كثيرا كما لا يظهر علنا إلا نادرا، كما أنه يمتلك مهارات قيادية عالية وله تأثير قوي على أعضاء الحركة.
وبعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023م، أصبح يحيى السنوار المطلوب الأول لدى كيان العدو، إضافة إلى محمد الضيف القائد العام لكتائب عز الدين القسام.
وأصبح التخلص من زعيم حماس أهم الأهداف الإستراتيجية للعملية العسكرية الصهيونية في قطاع غزة، والتي أطلقت عليها اسم "السيوف الحديدية"، إذ يعتبره مسؤولون صهاينة العقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر 2023.
وفي 14 نوفمبر 2023 فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على قيادات من حماس تشمل تجميد أصول وحظر السفر، ومن بينهم السنوار.. فيما أصدرت السلطات الفرنسية في 30 نوفمبر 2023 مرسوما يقضي بتجميد أصول السنوار لمدة ستة أشهر.
لم يظهر السنوار علنا خلال تلك الحرب، وذكرت صحيفة "هآرتس" الصهيونية أنه التقى بعض الأسرى الصهاينة خلال فترة احتجازهم في غزة، وأخبرهم بلغة عبرية سليمة أنهم في المكان الأكثر أمانا ولن يتعرضوا لأي مكروه.
وفي السادس من ديسمبر 2023، أعلن رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو محاصرة قوات جيشه منزل السنوار لكن لم يتم الوصول إليه.
وفي 20 مايو 2024 أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تقديمه طلبا للمحكمة لاستصدار أمر اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت ومن جهة أخرى السنوار والضيف وهنية بتهم ارتكابهم جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية عقب أحداث أكتوبر 2023.
في يوم 31 يوليو 2024 أعلنت حركة حماس أن "إسرائيل" اغتالت رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في مقر إقامته بالعاصمة الإيرانية طهران، وذلك بقصف الشقة التي كان فيها مع مرافقه.. وقد كان هنية في طهران على رأس وفد من الحركة للمشاركة في مراسيم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشيكيان.
وبعد دفن هنية في العاصمة القطرية الدوحة، بدأت الحركة انتخابات داخلية لاختيار خلفية لهنية، وأعلنت يوم الثلاثاء السادس من أغسطس 2024 أن هيآتها الشوروية اختارت بالإجماع يحيى السنوار رئيسا جديدا للحركة.
وفي الـ17 من أكتوبر يرحل القائد السنوار، وتبقى سيرته وكلماته نبراسا ينير درب الحربة، ويبقى دعاؤه يلهج به الأحرار حول العالم.
بعد أن أقض مضاجع قادة كيان العدو الصهيوني وحلفائِه وقُطعان مستوطنيه.. اُستشهد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس يحي السنوار، ليلتحق بركب الشهداء العظماء، بطلاً مُغواراً حاملاً سلاحه وُمرتدياً جعبته العسكرية، حارماً كيان العدو من صورة نصر بحث عنها طوال سنوات.
وفي هذا السياق.. ختم القائد السنوار (رحمة الله عليه) مسيرته الجهادية التي استمرت منذ شبابه لأكثر من 40 عاماً، مُثبتاً السردية التي يعرفها الفلسطينيون عنه قائداً محارباً وموجوداً في الميدان، ومُحطماً سردية العدو الصهيوني التي حاولت دائماً تصويره على أنه هارب ومختبئ في الأنفاق.
وأبى القائد السنوار إلا أن يستمر في مهمته حتى وهو عند ربه شهيداً، حيث ارتقى إلى ربه شهيداً، مُشتبكًا، مُقبلاً غير مُدبر، في خاتمة تنبض بطولة وعزة، وترسم معالم الطريق في المواجهة بين أصحاب الحق الصادقين وعدوهم المجرم الغاصب.
ونعت حركة المقاومة الإسلامية حماس في بيان لها، اليوم الجمعة، الشهيد يحيى السنور (أبو إبراهيم) رئيس مكتبها السياسي وقائد معركة طوفان الأقصى.. قائلة: "تنعى حركة المقاومة الإسلامية حماس، إلى شعبنا الفلسطيني وإلى أمتنا جميعا وأحرار العالم رجلا من أنبل الرجال وأشجع الرجال، رجلا كرس حياته من أجل فلسطين، وقدم روحه في سبيل الله على طريق تحريرها، صدق الله فصدقه الله، واصطفاه شهيدا مع من سبقه من إخوانه الشهداء.
وأضافت الحركة في بيانها: "ننعى القائد الوطني الكبير الأخ المجاهد الشهيد يحيى السنور (أبو إبراهيم) رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقائد معركة طوفان الأقصى الذي ارتقى بطلاً شهيداً، مقبلاً غير مُدبر، مُمْتَشقاً سلاحه، مشتبكاً ومواجهاً لجيش الاحتلال في مقدّمة الصفوف، يتنقل بين كل المواقع القتالية صامداً مرابطاً ثابتاً على أرض غزَّة العزَّة، مدافعاً عن أرض فلسطين ومقدساتها، ومُلهماً في إذكاء روح الصُّمود والصَّبر والرّباط والمقاومة".
كما نعت مختلف الفصائل الفلسطينية الشهيد القائد يحيي السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والذي استشهد يوم الأربعاء بعد اشتباك مع قوة صهيونية في تل السلطان برفح جنوب قطاع غزة.
وفي اليوم الـ377 لمعركة طوفان الأقصى، جاء الكشف عن استشهاد القائد المُشتبك، في المعركة التي شاركت فيها كل القوى العالمية العظمى وبدعمٍ عسكري واستخباراتي توشك أن تغير وجه المنطقة، بما تخللها من بطولات وصمود شعبي في وجه أبشع جرائم الإبادة الجماعية في العصر الحديث.
وفي الخاتمة الأسطورية، التي تمثل بداية جديدة، ظهر السنوار بجعبته العسكرية ولثامه وشجاعته ورباطة جأشه وصموده، مُصاباً في يده، فيربطها بسلك حديدي ويقاوم حتى النفس الأخير، ليرحل شامخًا كما شعبه الصامد وجبال غزة الراسخة بصورة البطل المقدام.
وهذه الخاتمة التي تمناها، وعبر عنها، وعمل من أجلها القائد السنوار، وهي نيل الشهادة في مواجهة عدوه دفاعاً عن شرف الأمّة بأكملها وهو الذي قاد معركة طوفان الأقصى، ولا تزال كلماته تتردد في أصداء الكون: "إن كنا نخشى الموت فنحن نخشى الموت على فراشنا كما يموت البعير، نخشى أن نموت في حوادث الطرق أو بجلطة دماغية أو بسكتة قلبية، لكننا لا نخشى أن نقتل في سبيل ديننا ووطننا ومقدساتنا، ودماؤنا وأرواحنا ليست أغلى من دماء أصغر شهيد قدم روحه".
وسعى العدو الصهيوني تحديداً إلى اغتياله بكل قوته خلال السنة الأخيرة، بعدما اتهمه بأنه الرأس المدبر لهجمات "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر 2023، كما سعى العدو للنيل من سيرته وصورته، وهو القائد الفذّ الذي لا تضعف له عزيمة ولا تلين له قناة، فجاءت الصورة لقائد المكتب السياسي لحماس مشتبًكًا في الصفوف الأولى وفي الميدان الأكثر خطورة جبهة القتال الأولى يقود المعركة فوق الأرض، لا كما زعم الصهاينة من الأنفاق محاطًا بالأسرى.
ولأن الحق ما شهدت به الأعداء، فقد خرجت الصورة من بين يدي قاتليه، برهانًا على أنّ قادة المقاومة يقدمون دماءهم ويذودون عن شعبهم بأرواحهم التي طالما أكدوا أنها ليست أغلى من أرواح شعبهم الصامد المصابر الثابت رغم المصاب الجلل.
من هو القائد الجهادي يحيى السنوار:
يحيى السنوار رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، من مواليد عام 1962، اعتقله العدو الصهيوني عدة مرات وحكم عليه بأربع مؤبدات قبل أن يُفرج عنه بصفقة تبادل أسرى عام 2011، وعاد إلى نشاطه في قيادة كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحماس).
انتخب رئيسا للحركة في قطاع غزة عام 2017 ومرة أخرى عام 2021، وفي 2024 انتخب رئيسا للمكتب السياسي للحركة بعد اغتيال العدو الصهيونية سلفه إسماعيل هنية.
يعتبره العدو الصهيوني مهندس عملية طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر 2023، التي كبدته خسائر بشرية وعسكرية وهزت صورة أجهزته الاستخباراتية والأمنية أمام العالم، فأعلن أن تصفيته أحد أهداف عمليته "السيوف الحديدية" على القطاع، والتي جاءت ردا على عملية "طوفان الأقصى".
ولد يحيى إبراهيم حسن السنوار يوم 19 أكتوبر 1962 في مخيم خانيونس للاجئين جنوب قطاع غزة، ونزحت أسرته من مدينة مجدل شمال شرق القطاع بعد أن احتلها العدو الصهيوني إثر نكبة عام 1948 وغير إسمها إلى "أشكلون" (عسقلان).
تلقى تعليمه في مدرسة خانيونس الثانوية للبنين، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية بغزة ويتخرج منها بدرجة البكالوريوس في شعبة الدراسات العربية.
نشأ في ظروف صعبة وتأثر في طفولته بالاعتداءات والمضايقات المتكررة للعدو الصهيوني لسكان المخيمات.
تزوج في 21 نوفمبر 2011 من سمر محمد أبو زمر، وهي سيدة غزية حاصلة على ماجستير تخصص أصول الدين من الجامعة الإسلامية بغزة، له ابن واحد يدعى إبراهيم.
ساعده النشاط الطلابي على اكتساب خبرة وحنكة أهلته لتولي أدوار قيادية في حركة حماس بعد تأسيسها عام 1987 خلال انتفاضة الحجارة.
أسس مع خالد الهندي وروحي مشتهى -بتكليف من مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين– عام 1986 جهازا أمنيا أطلق عليه منظمة الجهاد والدعوة ويعرف باسم "مجد".
وكانت مهمة هذه المنظمة الكشف عن عملاء وجواسيس العدو الصهيوني وملاحقتهم، إلى جانب تتبع ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الصهيونية، وما لبثت أن أصبحت هذه المنظمة النواة الأولى لتطوير النظام الأمني الداخلي لحركة حماس.
اُعتقل لأول مرة عام 1982 بسبب نشاطه الطلابي وكان عمره حينها 20 عاما، ووضع رهن الاعتقال الإداري أربعة أشهر وأعيد اعتقاله بعد أسبوع من إطلاق سراحه، وبقي في السجن ستة أشهر من دون محاكمة.. وفي عام 1985 اُعتقل مُجدداً وحُكم عليه بـثمانية أشهر.
وفي 20 يناير 1988، اُعتقل مرة أخرى وحوكم بتهم تتعلق بقيادة عملية اختطاف وقتل جنديين صهاينة، وقتل أربعة فلسطينيين يشتبه في تعاونهم مع الكيان الصهيوني، وصدرت في حقه أربعة مؤبدات (مدتها 426 عاما).
وخلال فترة اعتقاله تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس في السجون لدورتين تنظيميتين، وساهم في إدارة المواجهة مع مصلحة السجون خلال سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما في ذلك إضرابات أعوام 1992 و1996 و2000 و2004.
تنقل بين عدة سجون؛ منها المجدل وهداريم والسبع ونفحة، وقضى أربع سنوات في العزل الانفرادي، عانى خلالها من آلام في معدته، وأصبح يتقيأ دما وهو في العزل.
حاول الهروب من سجنه مرتين، الأولى حين كان معتقلا في سجن المجدل بعسقلان، والثانية وهو في سجن الرملة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل.
أُطلق سراح يحيى السنوار عام 2011، وكان واحدا من بين أكثر من ألف أسير حرروا مقابل الجندي الصهيوني جلعاد شاليط ضمن ما سمي صفقة "وفاء الأحرار".. وتمت الصفقة بعد أكثر من خمس سنوات قضاها شاليط في الأسر بغزة، ولم ينجح العدو خلال عدوانه الذي شنه على القطاع نهاية 2008 في تخليصه من الأسر.
وبعد الخروج من السجن انتخب السنوار عضوا في المكتب السياسي لحركة حماس خلال الانتخابات الداخلية للحركة سنة 2012، كما تولى مسؤولية الجناح العسكري كتائب عز الدين القسام، وشغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي للحركة وقيادة الكتائب.
كان له دور كبير في التنسيق بين الجانبين السياسي والعسكري في الحركة خلال العدوان الصهيوني على غزة عام 2014.. وأجرى بعد انتهاء هذا العدوان تحقيقات وعمليات تقييم شاملة لأداء القيادات الميدانية، وهو ما نتج عنه إقالة قيادات بارزة.
وفي عام 2015 عينته حركة حماس مسؤولا عن ملف الأسرى الصهاينة لديها، وكلفته بقيادة المفاوضات بشأنهم مع العدو، وفي السنة نفسها صنفته الولايات المتحدة الأمريكية في قائمة "الإرهابيين الدوليين"، كما وضعته "إسرائيل" على لائحة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة.
وانتخب يوم 13 فبراير 2017 رئيسا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفا لإسماعيل هنية.. حاول في هذه الفترة إصلاح العلاقات بين حركة حماس في غزة والسلطة الفلسطينية بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في الضفة الغربية، وإنهاء حالة الانقسام السياسي في الأرضي الفلسطينية ضمن مصالحة وطنية، إلا أن هذه المحاولات انتهت بالفشل.
وفي مارس 2021، اُنتخب رئيسا لحركة حماس في غزة لولاية ثانية مدتها أربع سنوات في الانتخابات الداخلية للحركة.
تعرض منزله للقصف عدة مرات، إذ قصفته طائرات العدو الصهيوني ودمرته بالكامل عام 2012، وخلال العدوان على قطاع غزة عام 2014، ثم خلال غارات جوية صهيونية في مايو 2021.
يوصف السنوار بأنه شخصية حذرة، لا يتكلم كثيرا كما لا يظهر علنا إلا نادرا، كما أنه يمتلك مهارات قيادية عالية وله تأثير قوي على أعضاء الحركة.
وبعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023م، أصبح يحيى السنوار المطلوب الأول لدى كيان العدو، إضافة إلى محمد الضيف القائد العام لكتائب عز الدين القسام.
وأصبح التخلص من زعيم حماس أهم الأهداف الإستراتيجية للعملية العسكرية الصهيونية في قطاع غزة، والتي أطلقت عليها اسم "السيوف الحديدية"، إذ يعتبره مسؤولون صهاينة العقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر 2023.
وفي 14 نوفمبر 2023 فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على قيادات من حماس تشمل تجميد أصول وحظر السفر، ومن بينهم السنوار.. فيما أصدرت السلطات الفرنسية في 30 نوفمبر 2023 مرسوما يقضي بتجميد أصول السنوار لمدة ستة أشهر.
لم يظهر السنوار علنا خلال تلك الحرب، وذكرت صحيفة "هآرتس" الصهيونية أنه التقى بعض الأسرى الصهاينة خلال فترة احتجازهم في غزة، وأخبرهم بلغة عبرية سليمة أنهم في المكان الأكثر أمانا ولن يتعرضوا لأي مكروه.
وفي السادس من ديسمبر 2023، أعلن رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو محاصرة قوات جيشه منزل السنوار لكن لم يتم الوصول إليه.
وفي 20 مايو 2024 أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تقديمه طلبا للمحكمة لاستصدار أمر اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت ومن جهة أخرى السنوار والضيف وهنية بتهم ارتكابهم جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية عقب أحداث أكتوبر 2023.
في يوم 31 يوليو 2024 أعلنت حركة حماس أن "إسرائيل" اغتالت رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في مقر إقامته بالعاصمة الإيرانية طهران، وذلك بقصف الشقة التي كان فيها مع مرافقه.. وقد كان هنية في طهران على رأس وفد من الحركة للمشاركة في مراسيم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشيكيان.
وبعد دفن هنية في العاصمة القطرية الدوحة، بدأت الحركة انتخابات داخلية لاختيار خلفية لهنية، وأعلنت يوم الثلاثاء السادس من أغسطس 2024 أن هيآتها الشوروية اختارت بالإجماع يحيى السنوار رئيسا جديدا للحركة.
وفي الـ17 من أكتوبر يرحل القائد السنوار، وتبقى سيرته وكلماته نبراسا ينير درب الحربة، ويبقى دعاؤه يلهج به الأحرار حول العالم.