صنعاء - سبأ:
نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول آخر تطورات العدوان على غزة ولبنان والمستجدات الإقليمية والدولية الخميس 5 جمادى الأولى 1446هـ / 7 نوفمبر 2024م.
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
للشهر الثاني من العام الثاني، يستمر العدوان الوحشي الإجرامي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويمارس العدو الإسرائيلي جرائم الإبادة الجماعية بالقتل والتجويع، ويستهدف كل مقومات الحياة.
في هذا الأسبوع، ارتكب العدو الإسرائيلي المجرم ما يزيد على ثلاثين مجزرةً دموية، استشهد فيها وجرح أكثر من (ألف وثلاثمائة فلسطيني)، معظمهم من الأطفال والنساء، ولأكثر من شهر يواصل العدو الإسرائيلي تصعيده الإجرامي الكبير ومذابحه الفظيعة شمال قطاع غزة، حيث تشير التقديرات إلى استشهاد أكثر من (ألفي فلسطيني) وجرح أكثر من (أربعة آلاف) خلال التصعيد العدواني هناك، ويمنع العدو الإسرائيلي دخول أي مواد غذائية أو طبية، ويفرض تحت القصف العنيف، والمذابح الكبيرة، والتجويع، تهجيراً قسرياً على سكان شمال قطاع غزة.
إجرامٌ متناهٍ يستخدم فيه العدو الإسرائيلي أشد أنواع القصف، ووسائل التدمير الشامل، لقتل أكبر عددٍ من المدنيين، وتدمير أكبر مساحةٍ من المباني، والحال في بقية قطاع غزة لا يختلف كثيراً، فالعدو يستهدف الأهالي الذين معظمهم نازحون، يستهدفهم بالغارات الجوية في مختلف أنحاء قطاع غزة، وبالقصف المدفعي في مراكز الإيواء وفي المخيمات، ويجوِّعهم، ففي خان يونس مثلاً- حيث هناك ما يقارب المليون نازح- مخبزٌ واحدٌ، ويتزاحم الناس على مدِّ البصر للحصول على ربطة خبزٍ واحدة.
العدو الإسرائيلي الفاشل في المواجهة العسكرية، والعاجز عن تحقيق أهدافه المعلنة من عدوانه على قطاع غزة، انتهج منذ البداية المسلك الإجرامي الوحشي للاستهداف الشامل للمدنيين، وأكثر ضحايا إجرامه هم الشهداء من الأطفال والنساء.
أمَّا على مستوى المواجهة العسكرية، فإخوتنا المجاهدون في قطاع غزة صامدون، ومتماسكون، وثابتون، وينكلون بالعدو، ويلحقون به الخسائر الكبيرة على مستوى عديده وعتاده، فهم يقتلون من ضباطه وجنوده، وهم يدمرون آلياته العسكرية ودباباته، وفي هذا الأسبوع كان هناك يقارب ستة عشر عملية لكتائب القسام، فيها الكمائن المنكلة بالعدو، والاشتباك المباشر مع جنوده، وإلحاق الخسائر المباشرة في صفوفهم، وكذلك التدمير للدبابات والآليات، والقصف بقذائف الهاون... وغير ذلك.
وكذلك سرايا القدس، لها الكثير من العمليات، من ضمنها: عمليات بالقصف الصاروخي إلى [مغتصبة سيديروت]، وهكذا العمليات التي تنفِّذها بقية الفصائل، التي تقاتل في سبيل الله تعالى، جنباً إلى جنب مع كتائب القسام.
العدو الإسرائيلي، في ظل فشله على مستوى المواجهة العسكرية، وعجزه عن القضاء على فصائل المقاومة، التي تجاهد في سبيل الله تعالى، وتتصدى لعدوانه وإجرامه، يعتمد في مقابل ذلك على ارتكاب الجرائم الكبيرة جداً، جرائم الإبادة الجماعية، ويتفنن في أنواع الجرائم، لكن ذلك- كما أكدنا كثيراً- لا يمثل إنجازاً عسكرياً مهما بلغ، مهما بلغ عدد ضحاياه من الشهداء من الأطفال والنساء، لا يمثل ذلك نصراً له، مهما دمَّر من المباني المدنية لا يعتبر ذلك نصراً له، ولا يزال في حالة الفشل الواضح والمؤكد.
مع طول الوقت، وحجم الإجرام المتراكم، ونحن في الشهر الثاني من العام الثاني، وجرائم الإبادة الجماعية، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة، هي جرائم يومية، في كل يوم، والمشاهد أيضاً لتلك الجرائم التي تنقلها وسائل الإعلام، ولاسيَّما القنوات الفضائية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، هي أيضاً مشاهد يومية، مشاهد مؤلمة، ومشاهد دامية، ومشاهد تُحرِّك الضمير الإنساني، لكل من بقي له ضميرٌ إنساني، تُحرِّك الشعور بالمسؤولية الدينية، في كل من بقي له ذرةٌ من الإيمان، والشعور بالانتماء للإسلام والدين الإلهي الحق، ولكن- للأسف الشديد- مع كل هذا المدى الزمني، وما تراكم فيه من مآسٍ وجرائم يرتكبها العدو الإسرائيلي، تتجدد مع كل يوم، فالموقف العربي ومن حوله الموقف الإسلامي- في معظمه- لا جديد فيه، فلا ما يستجد من جانب العدو الإسرائيلي من جرائم رهيبة جداً، ومنها: التصعيد الذي يقوم به حالياً في شمال قطاع غزة، ولا طول الوقت الذي عظمت فيه مأساة الشعب الفلسطيني، وكبرت فيه معاناته، ساعد أو أسهم في تحريك الضمير العربي الرسمي على المستوى الإنساني، أو الشعور بالمسؤولية الدينية، أو بأي دافعٍ وحافز، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جداً! حالةٌ خطيرة، تعتبر من الدلائل الواضحة على مدى الإفلاس الإنساني، والأخلاقي، والإيماني، لدى معظم الأنظمة العربية، وعلى امتداد التأثير السلبي للموقف الرسمي، في واقع الكثير من أبناء شعوب أمتنا، الذين رضوا لأنفسهم بأن يكونوا متفرجين، وألَّا يكون لهم أي موقف بأي مستوى، وهذا شيءٌ محزنٌ جداً!
في الواقع الرسمي العربي، دعك عن مسألة القتال المباشر، أو الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، أو مع أمريكا وإسرائيل، ولكن حتى على المستوى السياسي، الدبلوماسي، وبقية الاعتبارات، ليس هناك موقف بما تعنيه الكلمة، موقف سياسي يمكن أن يصنف كموقف، أو موقف على المستوى الإنساني لمساندة الشعب الفلسطيني يمكن أن يصنف كموقف... ولا أي شيء، مجرد بيانات، وحتى البيانات بنفسها ضعيفة، الموقف نفسه مستمرٌ تجاه إخوتنا المجاهدين في فلسطين، لا تزال بعض الأنظمة الرسمية تصنفهم إرهابيين بدون أي ذنب، إلا جهادهم في سبيل الله تعالى، في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، عن فلسطين ومقدساتها فقط، لم يفعلوا شيئاً بتلك الأنظمة، لم يستهدفوها بأي استهداف، لا عسكري، ولا سياسي، ولا إعلامي... ولا أي شيء، هم أبرياء تماماً من أي موقف تجاه تلك الأنظمة، بل كانوا ولا يزالون حريصين على أن يبدوا تجاهها إيجابيةً، في كلامهم، في مواقفهم، في إعلامهم، في مساعيهم لأن تكون العلاقات إيجابية مع كل أبناء الأمة، ولكن دون جدوى.
ولاحظوا، مع كل ما قد فعله العدو الإسرائيلي ويفعله، من جرائم الإبادة الجماعية اليومية الفظيعة، من قتلٍ لآلاف الأطفال والنساء عمداً وعدواناً، من تجويعٍ للملايين من أبناء الشعب الفلسطيني... من غير ذلك، من انتهاكات للمقدسات، ولحرمة المسجد الأقصى الشريف، كل ذلك لم يدفع ببعض الأنظمة العربية- من أبرز الأنظمة العربية- إلى مستوى التصنيف فقط، التصنيف له بالإرهاب، تصنيف فقط في القوائم، حتى لو لم يتبعه أي خطوة عملية (عسكرية، أو أمنية)، حتى على مستوى التصنيف، لم يفعلوا ذلك، أليس هذا يُبَيِّن ما هم عليه من الاعوجاج، وأنهم مرتبطون بالأمريكي والإسرائيلي نفسه في طبيعة التصنيفات تلك؟ ولهذا لم يُصَنِّفوا العدو الإسرائيلي حتى التصنيف، حتى بعض الوسائل الإعلامية العربية، لم يرق موقفها إلى مستوى الحديث عن الإسرائيلي بالتوصيف الطبيعي لجرائمه كجرائم، للحديث عنها كجرائم فظيعة، وتوصيفها بما ينبغي أن توصَّف به، وبما ينبغي أن يوصَّف به أيضاً هو، وهو يرتكب تلك الجرائم، بل لا زال بعض الإعلام العربي يساند العدو الإسرائيلي، ويخدمه بشكلٍ مفضوح وواضح، وبشكلٍ مخزٍ، لا مثيل له حتى في المراحل الماضية.
هذه الحالة التي عليها الموقف العربي، ومن حوله الموقف الإسلامي، في معظمه مع وجود استثناءات، مع وجود استثناءات، لكن في معظمه، هو يذكرنا ببداية المأساة التي عانى منها الشعب الفلسطيني، كيف بدأت تلك المأساة، وهذا أيضاً يلفت نظرنا جميعاً إلى ذكرى مرَّت بنا في هذا الأسبوع، وهي: ذكرى وعد بلفور، وعد بلفور الذي كان في الثاني من نوفمبر قبل مائة وسبعة أعوام، وعد بلفور البريطاني المشؤوم، الذي وعد بتمكين اليهود، قدَّم التزاماً بتمكين اليهود الصهاينة من احتلال فلسطين، ثم التحرك من خلال فلسطين لإقامة ما يحلمون به، وتحقيق هدفهم الذي كان هدفاً واضحاً منذ البداية، وهو: إقامة إسرائيل الكبرى على مساحة كبيرة من البلاد العربية، واتجه البريطاني بعد ذلك الالتزام، الذي يسمى بـ(وعد بلفور)، اتَّجه في خطواتٍ عملية لتحقيق ذلك، في إطار احتلاله لفلسطين، من خلال تنظيم حملات استقدام لليهود من مختلف أنحاء العالم، إلى فلسطين، وتجنيد الآلاف منهم في إطار الجيش البريطاني؛ لإعدادهم عسكرياً، وتمكين نفوذهم في الانتشار في فلسطين، والسيطرة والنهب، وإعدادهم لذلك، ثم تشكيل عصاباتهم الإجرامية، ودعمها بالسلاح، وبالإسناد العسكري، في جرائمها واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، والاستهداف لأي تحرُّك فلسطيني جهادي وحر لمواجهة ذلك.
هناك دروس وعبر مهمة وكثيرة مما حصل في البداية، فعندما نتساءل بدايةً، ما هو الدافع الذي دفع البريطاني آنذاك، إلى الإقدام على تلك الخطوة العدوانية الإجرامية، التي تستهدف العرب في أوطانهم، وفي حريتهم، وفي حقهم، لماذا فعل ذلك؟ هل كان هناك من الوسط العربي ما استفز البريطاني، ودفعه إلى أن يقوم أولاً باحتلال أجزاء واسعة من البلاد العربية، ومن بعد ذلك أن يُقْدِم على ذلك الجرم الكبير الفظيع، الذي يستهدف جزءاً مهماً من البلاد العربية في البداية، لم تكن إلا البداية؛ من أجل أن يلحق بها خطوات أخرى، ويستهدف بذلك شعباً عربياً مسلماً مظلوماً، وأرضاً له، فلسطين هي التي للشعب الفلسطيني، وبلادٌ عربية إسلامية، وفيها مقدسات ذات أهمية بالغة للمسلمين، منها المسجد الأقصى الشريف، وفيها غيره أيضاً من المقدسات، هل كان هناك في الواقع العربي ما استفزه واستثاره، فكان ما قام به البريطاني ردة فعل على الاستفزاز العربي؟ هذه مسألة مهمة؛ لأن أي تحرُّك في المرحلة الراهنة، في الاتجاه الجهادي والتحرري ضد أعداء الأمة، يُوَصَّفُ من قبل المثبطين، ومن قبل العملاء، ومن قبل من ينقصه الوعي، على أنه تحرُّك استفزازي، ويُقَدَّم في أوساط الأمة على أنه هو من يمثل المشكلة، التي يجب الخلاص منها لتهدأ الأمة، ولتستقر أوضاعها، الدروس في البداية هي دروس مهمة جداً، مع دروس بعدها كثيرةٌ وكثيرة.
على العكس من ذلك تماماً، لم يكن في تلك المرحلة في الواقع العربي ما يستفز البريطاني، بل كان العرب في تلك المرحلة، وقبل الاحتلال البريطاني لمعظم البلدان العربية، كانت كثير من القوى العربية البارزة اتجهت لإقامة علاقات ودِّيَّة مع البريطاني، وتعاونت معه، وارتبطت بعلاقات قوية به، وقدمت له الخدمات الكبيرة، مقابل الوعود التي قدَّمها لها، في أن يمكنها من أن تكون هي المسيطرة على الواقع العربي، وأن تكون هي من يحكم الواقع العربي، مثل ما يفعله الأمريكي في هذه المراحل مع بعض الزعماء والأنظمة العربية تماماً، يبيعهم الوهم والسراب، في شكل وعود مُعَيَّنة من تمكينهم لأن يكونوا هم القوة الأساسية، والحاكمون، والمسيطرون، وهكذا باع بعض الدول العربية هذا الوهم في تلك المرحلة، في مقابل أن يتعاونوا معه، وتعاونوا معه، ودخلوا معه في علاقات كبيرة؛ حتى تمكن من احتلال بلدان كثيرة في العالم العربي، ثم تنكَّر لوعودهم، ونفى البعض منهم، وتجاهل كل ما قدموه له من خدمات، وتنكَّر لها بشكلٍ عجيب، وبجفاءٍ كبير، وَحَمَّلَهُم المسؤولية أنهم تعاملوا معه بغباء.
الضباط والقادة البريطانيون كانوا يقولون لمن وقف معهم من العرب، وتعاون معهم من العرب، في المرحلة التي يطالبهم فيها أولئك أن يفوا لهم بوعودهم، قالوا لهم: [أنتم أغبياء، وهذه مشكلتكم، كيف صدقتمونا؟! وكيف صدقتم وعودنا؟!]، وكانت المكافأة من نصيب من نصيب اليهود في إطار الحركة الصهيونية، التي تتجه فعلياً ضمن مشروع صهيوني آمنت به قوى في الغرب، في بريطانيا، وأمريكا، وأوروبا، واتَّجهت لدعمه، والمشروع الصهيوني يستهدف الأمة الإسلامية والعربية في كل شيء: في أرضها، وعرضها، ودينها، ودنياها؛ ولــذلك اتَّجه البريطاني لأن يستقدم اليهود إلى بلاد العرب والمسلمين، إلى فلسطين، ولم يكن منذ البداية الأمر مقتصراً على فلسطين؛ إنما كانت هي المقدمة؛ لأن اليهود لا يمتلكون من اللحظة الأولى، القدرة على تأمين الزخم البشري اللازم لانتشارهم في أنحاء واسعة من العالم العربي، لكن أرادوا أن تكون فلسطين هي البداية، وهذا كان واضحاً فيما بعد ذلك، ولا يزال واضحاً الآن في كل شيء: في ثقافتهم، في مناهجهم، في سياساتهم، في خططهم، في تصريحاتهم، في مواقفهم... في غير ذلك. وأتى التوافد الصهيوني اليهودي من مختلف أنحاء العالم إلى فلسطين- كما قلنا- في إطار رعاية بريطانية، وتجنيد، وتأهيل، وبناء، وإعداد، وتمكين، ودعم، ومساندة... وغير ذلك.
اليهود بأنفسهم، لماذا اتجهوا إلى تلك الخطوة العدائية، التي تستهدف الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية؟ هل كان هناك في تلك المرحلة بالتحديد ما يستفزهم من جانب العرب والمسلمين؟
على العكس من ذلك، كان اليهود- وعلى مدى قرون من الزمن- يعيشون في العالم الإسلامي في بلدان متعددة، وهم في حالة الشتات، في ظروف تختلف كثيراً عن الظروف التي يعيشونها في المجتمعات والبلدان الغربية، كانوا يعيشون بأمن وأمان وسلم وسلام، ويعيشون في ظل أجواء يعيشون فيها الاستقرار وظروف ملائمة للحياة، لم يكن هناك حالة اضطهاد لهم، ولا ظلم لهم، بل على العكس من ذلك، كانت بعض الدول في العالم الإسلامي، وفي مراحل كثيرة من التاريخ الإسلامي، تعاملهم في بعض الأحيان أحسن من الكثير من المسلمين، من المواطنين المسلمين، وهذا شيءٌ معروف في التاريخ الإسلامي، وفي تاريخ كثيرٍ من الدول، والحكومات التي تعاقبت في تاريخ المسلمين، كيف كانت تتعامل معهم، بل كانوا هم، في كل مرحلة من مراحل مآسي الأمة ونكباتها، من يبادرون إلى التآمر على المسلمين، مع أي عدوٍ يستهدفهم، وهذا أيضاً معروفٌ في التاريخ، وموثقٌ في كتب التاريخ.
مع ذلك اتجهوا هم (اليهود)، وهم الذين تعرَّضوا في البلدان الغربية في مراحل معينة، قبل أن يؤثِّروا على الثقافة الغربية، وقبل أن يخترقوا المعتقدات، بما يغيروا النظرة إليهم تماماً، وقبل أن يرسِّخوا المشروع الصهيوني كمعتقد ديني في أوساط البلدان الأوروبية، وفي أمريكا، ما قبل ذلك تعرضوا في مراحل تاريخية معينة لاضطهاد كبير هناك، وقمع شديد، وإذلال كبير، وهذا معروفٌ أيضاً في التاريخ؛ لكنهم اتجهوا بكل حقد، وعداء شديد، ضد المسلمين، ولاستهداف المسلمين، بدءاً بالشعب الفلسطيني، والذي حدث أنهم اتجهوا ضمن مشروعهم ذلك، الذي جعلوا له صيغةً كمعتقدٍ ديني، وأصبحوا يتحركون على أساسه، ويشترك معهم الغرب، في كثيرٍ من قواه وحُكَّامه وأنظمته، في الإيمان بذلك المعتقد الصهيوني، الذي يستهدف أمتنا الإسلامية، وبلادنا العربية، في إقامة ما يسمونه بـ[إسرائيل الكبرى]، من النيل إلى الفرات، ومعظم الجزيرة العربية، ومكة والمدينة، ومن ثم السيطرة على بقية المنطقة بكلها، كما يقول المجرم نتنياهو: [تغيير الشرق الأوسط بكله]، ومن ثم تعزيز نفوذ عالمي لهم، وصولاً إلى إقامة حلمهم، بحكومة عالمية يحكمون منها العالم، من خلال سيطرتهم على البلاد العربية، بعد أن يكونوا قد تخلصوا من المسلمين والعرب، كما فعل الأوروبيون الذين اتجهوا إلى أمريكا، وقاموا بالقضاء تماماً على (الهنود الحمر) السكان الأصليين لأمريكا، الذين كانت تُقَدَّر أعدادهم في بعض المصادر التاريخية بثلاثين مليون نسمة، وعندهم هذا الأمل: أن يتخلصوا من العرب بوسائل كثيرة، وأن يستفيدوا منهم، وأن يكون لهم برنامج مرحلي، في كل مرحلة يحققون مستوىً معيناً من النتائج، وقدراً من الإنجازات، حتى يصلوا إلى هدفهم الكبير.
إذاً بريطانيا أقدمت على هذه الخطة من دون استفزاز، من دون أي تحرُكٍ مناوئٍ لها، أو معادٍ لها، في معظم البلدان العربية، إلا القليل النادر، في مناطق لم يصلوا إليها؛ أمَّا بقية القوى، الأنظمة، كانت متعاونةً معهم، منسقةً معهم، متواطئةً معهم، وتواطأ البعض منهم حتى فيما يتعلق بالوضع في فلسطين، وأسهمت بعض الأنظمة العربية- آنذاك- في العمل على إيقاف الحركة الثورية الجهادية للشعب الفلسطيني في مراحل مهمة، كان يمكن أن يكون لها جدوى بشكلٍ كبير، وتأثير كبير على الوضع هناك، وتعاونوا مع بريطانيا.
الصهاينة منذ المرحلة الأولى تعاملوا بحقد وإجرام، وإبادة جماعية، استهدفوا الشعب الفلسطيني في القرى، في المدن، بأفظع جرائم الإبادة والقتل، في بعض القرى كانوا يجمعونهم إلى مسجد القرية، ثم يقومون بإبادتهم بشكلٍ كامل، قتلوا بعض الأهالي في بعض القرى بالسكاكين والخناجر والفؤوس، حتى الأطفال والنساء استهدفوهم بذلك... جرائم كثيرة جداً، مسلكهم الإجرامي كان منذ اليوم الأول، وهل كانت القضية آنذاك ايرانية؟! آنذاك لم يكن لإيران أي علاقة بما يحدث في المنطقة العربية، كانت هناك، أيضاً عانت في مراحل معينة من الاحتلال البريطاني، والسيطرة الأجنبية، ومن بعد ذلك أنظمة موالية لأمريكا وبريطانيا والغرب، ما قبل الثورة الإسلامية في إيران؛ فإذا لم تكن المسألة ردة فعل تجاه إيران، ولا موقف من أجل إيران، ولا علاقة لإيران بالموضوع، والمستهدف منذ البداية كان هو العرب، الثورة الإسلامية من وفائها للإسلام، لقيمها، لمبادئها التي قامت عليها، أنها تبنَّت النصرة للشعب الفلسطيني كواجبٍ إسلامي، وهذا هو واجبها الإسلامي فعلاً، وبقيت مستمرةً على هذا الأساس، وهذه إيجابية كبيرة جداً.
العوامل الأساسية التي مكَّنت من تحقيق وعد بلفور، ومن أن ينجح البريطاني، وكان هناك دفع أمريكي، هناك مصادر تاريخية تؤكِّد على أن الأمريكي- من تلك المرحلة المبكرة- كان من ضمن من سعى لدفع البريطاني إلى تحقيق ذلك، وإلى فعل ذلك، وإلى الإقدام على هذه الخطوة العدوانية، التي استهدفت أمتنا الإسلامية في بلادها العربية. العوامل التي مكنت الأعداء من ذلك ما هي؟
أولها: وضعية الأمة.
وثانيها: رعاية الغرب الكافر: البريطاني، ومعه الأمريكي؛ ومن بعده الأمريكي، وأصبح البريطاني في ظله، الدور الأبرز هو لأمريكا وبريطانيا، مع أنه هناك تعاون من فرنسا، من ألمانيا... من دول غربية أخرى.
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" كان قد شتت شمل اليهود؛ لماضيهم الإجرامي، والمنحرف، والعدواني، والسيء، فقطَّعهم في الأرض أُمماً؛ ولـذلك لم يكن لهم تواجد في بلدٍ واحدٍ، يشكِّلون فيه كيانًا لهم، ويُمَثِّل عامل قوةٍ لهم، وهذه رحمةٌ من الله بعباده؛ لما يشكلون من خطورة كبيرة على المجتمع البشري، واستمر حالهم في الشتات على مدى مئات السنوات، بل آلاف السنوات، دهر طويل جداً وهم في حالة من الشتات والفرقة، فما الذي هيأ لهم أن يأتوا من جديد، ليتجمعوا في إطار عدوان، يحتلون به بلداً عربياً مسلماً، وفي إطار آمال وأهداف أوسع من ذلك، يستهدفون نطاق أوسع، ويستهدفون مقدسات المسلمين، ومن ضمنها المسجد الأقصى.
بالنسبة للعامل الأول، وهو عاملٌ خطير، ويجب أن تلتفت إليه الأمة، هي: وضعيتها التي هيَّأت لذلك، أصبحت مطمعاً لأعدائها، وبيئةً مهيأةً لذلك.
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قال في القرآن الكريم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ}[آل عمران : 112]، وهو يتحدث عنهم، عن اليهود، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران:112]، {أَيْنَ مَا ثُقِفُوا}[آل عمران:112]، يعني: في أي زمانٍ ومكان، أصبحت مضروبةً عليهم حالة الذلة، وهي حالة تكبِّلهم عن أن يتمكنوا من النفوذ والسيطرة؛ لأنهم يشكِّلون خطراً كبيرًا على الناس، يعني: هذا من عدل الله، وهذا من رحمته؛ لأنهم بمعتقداتهم، وثقافتهم الشيطانية الباطلة، يحملون حقداً كبيراً على المجتمع البشري، ولديهم أطماع كبيرة جداً، وهم- في نفس الوقت- يتجرَّدون من القيم الإنسانية والأخلاقية، يظهر لنا ما هم عليه من السوء، والحقد، والعدوانية، والإجرام، والشر، والخطر، هم ظلاميون في أفكارهم، ومجرمون في سلوكهم، وعدوانيون في أهدافهم وسياساتهم؛ ولـذلك الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وقى الأمة من شرهم، ووقى المجتمع البشري من كثيرٍ من شرهم، من كثيرٍ من شرهم، على مدى آلاف السنوات؛ لما يشكلونه من خطورة بالغة على الناس، بسوئهم، وإجرامهم، وحقدهم، فكبَّلهم وقيَّدهم بالذلة، فكانوا في حالةٍ من الذلة التي تمنعهم عن الإقدام على نشاط عسكري، وجرأة عسكرية لأعمال عدوانية لقتل الناس وإبادة الناس.
{إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران:112]، الحالة الاستثنائية التي يتمكنون فيها من أن يكونوا مقدمين بجرأة على قتال الناس الآخرين، وعلى الاعتداء عليهم، وعلى الحرب ضدهم، هي تلك الحالة: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران:112]، والحالة التي حصلت هي حالة تتعلق بالأمة الإسلامية بكلها، والعرب جميعاً في المقدِّمة، العرب جميعاً في المقدِّمة، ما هي الاشكالية التي حصلت للعرب بينهم وبين الله حتى يكون هناك حبل من الله للبريطاني، ليمكِّن الصهاينة لاستهداف هذه الأمة؟ الحبل هذا هو حبل التسليط؛ نتيجةً لتفريط هذه الأمة في مسؤوليتها المقدَّسة، وواجبها العظيم، بحكم انتمائها للإسلام، والرسالة الإلهية، التي هي إرث جميع الرسل والأنبياء.
الأمة الإسلامية- وفي المقدِّمة العرب- شرَّفها الله بالإسلام، والإسلام ليس فقط مقتصراً على الشعائر الدينية، هي جزءٌ منه، ولكن له رسالة، وهناك مسؤولية على هذه الأمة، هي تلك المسؤولية التي عبَّر الله عنها في القرآن الكريم بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110]، هذه الأمة ما هي واجباتها ومسؤولياتها لتكون خير أمة؟ وما هي الخيريَّة هذه التي تجعل منها خير الأمم؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110].
هذه الأمة هي المعنية بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}[النساء:135]، وأعطاها الله ما يؤهلها لذلك: من إمكانات، من موقع جغرافي، من مقدرات، وأعطاها هدىً عظيماً هو القرآن الكريم، ووعدها بالنصر، والتأييد، والرعاية، وأن يكون معها إذا نهضت لأداء مسؤوليتها هذه، لتكون الأمة التي لها الريادة في العالم، في إطار هذه المسؤولية المقدَّسة:
تدعو إلى الخير، وتواجه الشر والأشرار، وتسعى لحماية المجتمعات البشرية من الشر والأشرار.
تأمر بالقسط، وتعمل على إقامة القسط في الحياة، وتواجه الظلم والظالمين، وتمنعهم من ممارسة الظلم، وتسعى لإقامة ذلك في مختلف ربوع أرجاء المعمورة.
تتحرك للنهي عن المنكر، والباطل، والفساد، وتسعى لنشر المعروف، وإقامة المعروف، والأمر بالمعروف في عنوانه الواسع، الذي يشمل مختلف المجالات.
لتنقذ المجتمع البشري من منابع الشر، ومنابع الإجرام، ومنابع الظلم والطغيان والفساد، وهي تلك القوى التي يعبِّر عنها القرآن الكريم بطائفةٍ من أهل الكتاب، وفريقٍ من أهل الكتاب، فريق الشر، والإجرام، والخطر، والضلال، الفريق الظلامي المجرم من أهل الكتاب: اليهود، ومن يواليهم من النصارى ويتحرَّك معهم، وكانوا جنباً إلى جنب على مدى تاريخٍ طويل، كما يقول الله عنهم: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51]، يتآمرون على أبناء هذه الأمة، ويستهدفون هذا الدور المقدَّس والعظيم، الذي هو لخير المجتمعات البشرية.
عندما فرَّطت الأمة في هذا الواجب المقدَّس؛ اتَّجهت نحو اهتمامات أخرى، غلبت على أبنائها المصالح الشخصية، والفئوية، والأهواء، والرغبات، والأطماع، وهبطت الأمة، هبطت أخلاقياً، هبطت فكرياً وثقافياً، هبطت في أهدافها، في دورها، هبطت في كل شيء نحو الأسفل، واستمر هبوطها إلى أن وصلت في الحضيض، وأصبحت قوى كثيرة من أبنائها تمدُّ يدها للبريطاني، والبعض يمدُّ يده- في مراحل مختلفة من التاريخ- إلى قوى أو قوى هناك من قوى الكفر، والظلام، والباطل؛ لتستند إليهم في تحقيق نفوذ ومصالح هنا أو هناك، أو تستند إليهم في حسم صراعات ومشاكل داخلية، مع خصمٍ هنا أو خصمٍ هناك من داخل الأمة، هذا أوقع الأمة في الحضيض، وجعلها في مقام المؤاخذة الإلهية؛ فَقَدت عزتها، فَقَدت قوَّتها، فَقَدت دورها بين الأمم، وأصبحت ساحةً مفتوحةً لكل الطامعين من مختلف القوى الكافرة، التي أصبحت تتسابق طامعةً في هذه الأمة، في بلدانها، وثرواتها، وموقعها الجغرافي، ومنافذها البحرية المهمة... وغير ذلك، وهكذا حصل، وأتى ما أتى من جانب البريطاني، ومعه الأمريكي، ومعه القوى الغربية، والمشروع الصهيوني، في ظل تلك الوضعية السيئة جداً.
ولهذا لابدَّ لأمتنا أن تسعى بجد لتصحيح وضعيتها؛ لأنه في الحال الذي تخرج فيه من دائرة المؤاخذة الإلهية، وتتجه للثقة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والتوكل عليه، من أجل النهوض بمسؤوليتها، تتحرك فعلياً بإنابةٍ صادقةٍ إلى الله، للتحرك عملياً؛ سيمدها الله بالعون، بالنصر، بالتأييد، بوعده الصادق الذي لا يتخلَّف أبداً، كما مدَّ وأعان وأيَّد ونصر أوائلها، الذين تحرَّكوا تحت راية الإسلام، في صدر الإسلام الأول، وأمدَّهم الله بالتمكين العظيم.
واقع الأمة إذا اتَّجهت للنهوض بمسؤوليتها، وإنابة إلى الله؛ فذلك الحبل سينتهي: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ}[آل عمران:112]، إذا قطع الله ذلك الحبل: حبل المؤاخذة والتسليط عن هذه الأمة؛ حينها سينتهي الحبل الآخر الذي من الناس، عندما تتحرك هذه الأمة، تقف على قدميها، تنهض بمسؤوليتها، تعتمد على الله ربها، وتثق به، وتتوكل عليه، وتطهِّر ساحتها من الظلم والفساد، وتسعى لدورها العالمي والريادي، عندما تتَّجه هذا التوجه بصدق وجد مع الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ فمنذ البداية يعطيها الله العون، النصر، التأييد، تمكين، وحينها سترى الكثير من القوى الغربية نفسها في موقف العاجز، الفاشل، المستسلم، الخاسر، المستسلم في ما يتعلَّق بأهدافه داخل هذه الأمة، سيرى أنَّ ساحة هذه الأمة أصبحت محصَّنة، وقوية، ومنيعة، وأنَّ هذه الأمة اتَّجهت اتِّجاهاً جاداً، هذا شيءٌ مهم.
أمَّا في الحالة التي يقف فيها البعض من أبناء الأمة، في الحالة نفسها: حالة التخاذل، والإعراض، والتجاهل، والتعامي عن كل الأحداث، وعن خلفياتها، وعن أسبابها، وعن نتائجها؛ فيمكن للأمة أن تتكبَّد الكثير من الخسائر، ولكن الاتِّجاه من أبناء الأمة، الاتِّجاه الواعي، الاتِّجاه الذي يستجيب لله تعالى، يتحرَّك في إطار المسؤولية المقدَّسة لهذه الأمة، ينهض بواجبه، يتصدى للأعداء، ينطلق من المنطلقات الإيمانية والقرآنية، ليحظى بتأييد الله ومعونته، فهو سيحقق هو النتائج، مهما كان هناك من أعباء، من محن، من متاعب، هي نتيجةً للوضعية التي وصلت إليها الأمة بتفريطها في المقام الأول؛ ولــذلك يتحرك أحرار الأمة في هذه المرحلة، يتحرَّكون من نقطة الصفر، فكانت هناك أعباء كبيرة، وصعوبات كبيرة، ومتاعب كبيرة؛ لأن التحرك من نقطة الصفر، ولكن معه رعاية إلهية، معه عونٌ من الله تعالى، ولذا نرى ما عليه إخوتنا المجاهدون في فلسطين من ثبات وفاعلية، بالرغم من الظروف الصعبة جداً، ولكن نرى هذه الرعاية الإلهية، عندما كان هناك من استجاب لله، وما رأيناه في لبنان أكثر، وما قامت عليه تجربتنا في اليمن كذلك... وهكذا أبناء الأمة الأحرار في مختلف البلدان، الذين استجابوا لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتحرَّكوا وفق هدي الله وتعليماته.
اليهود لا يمتلكون المقومات الذاتية لأن يفرضوا لهم كياناً متماسكاً، قوياً، صامداً، ولا يستندون إلى حقوق يعتمدون عليها، هم في موقف العدوان؛ ولذلك أتى بهم البريطاني، وأتى من بعد البريطاني أتى الأمريكي، وأتت الدول الغربية، ومن بعد ذلك حتى الأمم المتحدة تعترف بالعدو الصهيوني عضواً كأي دولة أخرى في مجموعة الأمم المتحدة، الأمم المتحدة في جمعيتها ومجموعتها تعترف بالعدو الصهيوني ضمنها، يعتبر هذا من الشواهد الواضحة على أنها لا تقوم على أساسٍ من العدل، العدل مغيَّب في ظل الهيمنة الغربية، في ظل هيمنة الطاغوت المستكبر الظلامي، لا وجود للعدل، العدل مضيَّع، يضيَّع على شعوب بأكملها، على شعوب بأكملها.
أمَّتنا الإسلامية استهدفت بشكلٍ كامل، بغياب العدل بشكلٍ كامل؛ ولهــذا- كما قلنا في الأسبوع الماضي- الأمة الإسلامية هي المعنية بإقامة القسط، وأن تفرض القسط في العالم، والعدل في العالم؛ أمَّا البقية:
ما الذي تفعله لك الأمم المتحدة؟! اعترفت بالعدو الإسرائيلي القائم على الاغتصاب، والظلم، والجرائم الفظيعة، وقتل الأطفال والنساء، والتهجير القسري للملايين من ديارهم، والاغتصاب لبيوتهم، لقراهم، لمدنهم، لأراضيهم، اعترفت به عضواً فيها.
المحاكم الدولية ماذا تفعل وفعلت؟! متى فعلت شيئاً؟
مؤسسات تأسست من بعد القضية الفلسطينية بزمن، ومنذ أن تأسست إلى اليوم لم تفعل شيئاً لفلسطين، بل خدمت العدو الإسرائيلي، وقدَّمت له الخدمات الواضحة.
ولـــذلك فالعالم الغربي، الذي ينظر إليه الكثير من أبناء أمتنا على أنه عالم الحُرِّيَّة، والحضارة، والحقوق: حقوق الإنسان، وحقوق الحيوان، ويغترون به بكل غباء، هو أسند هذا الظلم والباطل الإسرائيلي ضد أمتنا، وضد الشعب الفلسطيني، ضد لبنان، عندما اتَّجه العدو الإسرائيلي لاحتلال لبنان، ضد كل بلداننا العربية التي استهدفها العدو الإسرائيلي: سوريا، الأردن، مصر، اتَّجه ضدها كلها، ولم يفعل لها شيئاً.
في الدور الأمريكي، الدور الأمريكي كان- كما قلنا وحسب بعض المصادر التاريخية- من وقت مبكر، دفع بالبريطاني إلى فعل ذلك، ثم تولى- بعد الانحسار للدور البريطاني- تولى هو كِبْرَ هذا الجرم، وتولى هذا الوزر العظيم، بأن يكون شريكاً للعدو الإسرائيلي، وداعماً أساسياً له، مع بقاء الدعم البريطاني، والمشاركة البريطانية، والإسهام البريطاني، وكلهم يرتبطون مع العدو الإسرائيلي في الاعتقاد بالمشروع الصهيوني، عقيدة دينية، وأطماع استعمارية، وأحقاد على هذه الأمة، ويعتبرونها فرصة مهيأة لهم، زادت من طمعهم وضعية الأمة.
ولــذلك استمر الأمريكي، ويستمر، ويتنافس- على مدى عقود من الزمن- الحزبان (الجمهوري، والديمقراطي) في أمريكا، في الانتخابات الرئاسية، وفي الانتخابات للكونغرس، يتنافسون أيهم يقدِّم خدمات أكثر للعدو الإسرائيلي، وللمشروع الصهيوني، وهذا شيءٌ واضح، معلنٌ في حملاتهم الدعائية.
وكذلك يتعاقب الرؤساء الأمريكيون رئيساً بعد رئيس، في أن يحسب لكلٍّ منهم أنه قدَّم للعدو الإسرائيلي، وللمشروع الصهيوني أكثر مما قدَّم الرئيس الذي قبله، أو أيُّ رئيسٍ قبله من رؤساء أمريكا، هذا أيضاً شيءٌ واضحٌ؛ ولــذلك حرص [المجرم بايدن] في فترة رئاسته لأمريكا، أن يقدِّم من الدعم العسكري، والسياسي، والاقتصادي، والإعلامي، للعدو الإسرائيلي، ما لم يقدِّمه أيُّ رئيسٍ كان قبله، حرص على أن يكون بهذا المستوى من الدعم والتعاون مع العدو الإسرائيلي، ومع المشروع الصهيوني، وهو أعلن عن نفسه جهاراً نهاراً بأنه صهيوني، [بايدن] بنفسه قال عن نفسه بأنه صهيوني، يعني: يعلن للعرب أنه يؤمن بالمشروع الصهيوني، الذي يستهدف أرضهم، وعرضهم، وبلادهم، وأوطانهم، وثرواتهم، ومكَّتهم ومدينتهم، وقدسهم، يتكلم بكل صراحةٍ ووضوح، وتعلن وسائل الإعلام ذلك، وتُشَاهَد الفيديوهات وهو يتحدث بذلك.
وهكذا يأتي الآن [ترامب]، كنتيجة للانتخابات الأمريكية، التي كانت قبل أمس في يوم الثلاثاء، [ترامب] بنفسه كان في مدة رئاسية سابقة، حرص على أن يقدِّم فيها للعدو الإسرائيلي إنجازات معينة، وأن يتباهى بأنه سيفعل ما لم يفعله الأوائل قبله من الرؤساء الأمريكيين، حينها مع الاعتراف بالقدس بكلها عاصمةً للعدو الإسرائيلي، ومناقضةً للأسلوب السياسي الشكلي، الذي يتظاهر به الأمريكيون فيما يتعلَّق بموضوع القدس وموضوع الدولتين، أتى بفكرة [أبو ديس وصفقة القرن]، ثم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في إطار موقفه واعترافه الصريح، ثم أعلن أيضاً عن هبته بالجولان السوري المحتل لإسرائيل، في محفل حضر فيه مسؤولون عرب، وصحفيون عرب، وقال فيه بكل سخرية، لكنه كان يقصد ما يقول: [إذا أرادت إسرائيل المزيد من الأراضي العربية، فهو مستعدٌ أن يعطيها، وأن يهبها لها]، هكذا هي النظرة الأمريكية، هكذا هو الأمريكي، يا من تتسابقون من زعماء العرب على الولاء له، على الطاعة له، على العلاقة معه، ليس لكم عنده أي قيمة أبداً، مهما فعلتم ومهما قدَّمتم، هو يريد أن يحلبكم، هو يرى في أثريائكم بقرةً حلوباً كما صرَّح هو، ويرى في الفقراء أمةً بائسةً تعيسةً، ليس لها في حساباته إلَّا الموت، والدمار، والهلاك.
[ترامب] الذي سعى أيضاً لتطويع بعض العرب، ليكونوا خدَّاماً للعدو الإسرائيلي، بعنوان التطبيع، يسمي التطويع ذلك بالتطبيع، ولكنه تطويعٌ لخدمة العدو الإسرائيلي، ومصالحه مع أمريكا فقط، ليس إلَّا، وليس أكثر من ذلك أبداً.
[ترامب] بما قدَّمه آنذاك، اعتبر نفسه أنَّه أكثر اهتماماً ممن سبقه من الزعماء والرؤساء فيما قدَّمه للعدو الإسرائيلي، وأنه سيجيِّر البعض من أبناء أمتنا من الأنظمة الحاكمة بإمكانات شعوبهم وبلدانهم لخدمة العدو الإسرائيلي، وأتى بعنوان [صفقة القرن]، ولكنه فشل، مع كل عنجهيته، واستكباره، واستهتاره، وطغيانه، فشل، فشل، وكما فشل في المرة الأولى، سيفشل في هذه المرة، في فترة رئاسته هذه لأربع سنوات، مهما أثار من الفتن والمحن، ومهما ألحق بأمتنا من النكبات، نتيجةً لعملائه والمتواطئين معه، لكنه سيفشل، القضية الفلسطينية محميةٌ بالوعد الإلهي بزوال الكيان المؤقت، ومحميةٌ بأولياء الله، وعباده المجاهدين، المخلصين، المضحين في سبيل الله تعالى، وأمامكم يا أبناء أمتنا هذا النموذج الراقي، العظيم، الحي، الثابت، الصامد، المتماسك:
المجاهدين في قطاع غزة، بما هم عليه من الثبات، والتفاني، والاستبسال، الروح الجهادية الحيَّة العظيمة، الروح التحررية العظيمة، المتواجدة في الشعب الفلسطيني، بما ينفِّذه من عمليات في الضفة، بما ينفِّذه أبطال فلسطين من عمليات حتى في بقية أنحاء فلسطين، من مثل العمليات البطولية في عمليات الدهس للأعداء الصهاينة، التي حصلت واحدةٌ منها في الأسبوع الماضي، في منطقة حسَّاسة مهمة، استهدف بها وكراً من أوكار التجسس الإسرائيلي في يافا المحتلة.
وهكذا النموذج الآخر العظيم، القائم بالحق، والقائم بكل ثبات، هو: نموذج حزب الله في لبنان، وهي جبهة مباشرة ضد العدو الإسرائيلي، وأتت من مرحلة كان العدو الإسرائيلي يعوِّل فيها أنه قد أحكم سيطرته على لبنان عسكرياً، وسياسياً... وغير ذلك، فأتى حزب الله من تلك الظروف الصعبة، من تلك المرحلة القاسية جداً، نشأ، وتنامى، وتعاظم، وقوي، وأنجز الإنجازات الكبرى، وصولاً إلى التحرير في عام 2000، وصولاً إلى الوقوف الصامد والثابت وتحقيق انتصارٍ عظيم في 2006، ثم في هذه المرحلة.
على طول التاريخ، الذي تحرَّك فيه حزب الله في تاريخه، كان سنداً للشعب الفلسطيني، تضحياته، جهاده تمثل إسهاماً لخدمة الشعب الفلسطيني ومساندته، وأيضاً لعزة لبنان، وحرية لبنان، واستقلال لبنان، وحماية لبنان، والى الآن في هذه المرحلة المهمة جداً، منذ (عملية طوفان الأقصى) وقف حزب الله بجد، وفاعلية، ومصداقية، وثباتٍ عظيم، وتأثيرٍ على العدو في جبهة جنوب لبنان، بمحاذاة شمال فلسطين المحتلة، ينكِّل بالعدو الإسرائيلي بشكلٍ يومي.
اتَّجه العدو الإسرائيلي للتصعيد، استهدف قادة حزب الله، وشن عدواناً رهيباً وكبيراً بكل ما يمتلكه من قوة، بشراكةٍ أمريكية، ودعمٍ أمريكي، وبالسلاح الأمريكي، وبالتعاون الأمريكي، إلى المرحلة التي تصوَّر فيها أنَّه قد تمكَّن من إلحاق الهزيمة بحزب الله، ومن تقويض حزب الله، ثم إذا به يفاجأ، منذ أن بدأ العملية البرية، التي كان يتصوَّر أنها ستمضي بكل سهولة، فإذا به يواجه الهزائم في الميدان في جيشه، جيشه من يهزم في الميدان ويتكبَّد الخسائر الكبيرة، يقوم بتغيير تكتيكاته؛ فلا ينفعه ذلك، يتلقَّى ويتكبَّد الخسائر والهزائم في معركته.
في أربعينية شهيد الإسلام والإنسانية، السَّيِّد حسن نصر الله "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، وهو باستشهاده خسارة على الأمة الإسلامية بكلها، هو من القادة التاريخيين النادرين، لكنه أبقى للأمة مدرسةً متكاملة، يتخرَّج منها الأبطال، والشجعان، والمجاهدون الأعزاء، والأوفياء المستبصرون، الذين يقفون في وجه العدو الإسرائيلي بكل بسالة، بكل ثبات، بكل صمود، وببصيرةٍ وإيمانٍ، وروحيةٍ جهاديةٍ حسينية، وهم يقفون بكل ثبات، في أربعينيته قام حزب الله بعملية قوية جداً، وأمطر العدو الإسرائيلي بالصواريخ إلى يافا المحتلة، التي يسميها العدو [تل أبيب]، ويستهدف [مطار بن غوريون]، ويستهدف أيضاً معسكرات وقواعد عسكرية، والحرائق اشتعلت في كثيرٍ من المغتصبات، وفي مصانع تابعة للعدو الإسرائيلي، هذه الفاعلية، وهذا الحضور، في الوقت الذي كان يتوقَّع فيه العدو الإسرائيلي أن يكون قد تمكَّن من حسم المعركة مع حزب الله، ها هو حزب الله حاضرٌ بتماسكٌ تام، عملياته في إطار قيادة وسيطرة، وعمليات منسَّقة ومدروسة، وفاعلة، ومؤثِّرة.
الأمين العام لحزب الله الشيخ/ نعيم قاسم- كذلك- ألقى كلمته في مناسبة الأربعين لسماحة شهيد الإسلام والإنسانية السَّيِّد/ حسن نصر الله "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، كلمة كلها قوة، كلها تأكيد على الثبات في الموقف، على الاستمرار في النهج؛ ولذلك وضع حزب الله كنموذج واضح، وصامد، وثابت.
وهكذا هي أيضاً المقاومة الإسلامية في العراق، تستمر أيضاً في عملياتها بفاعلية، بتأثير، بتصاعدٍ في أدائها العملياتي، مع أنَّ هناك ضغوطاً سياسية وإعلامية كبيرة، تهدف إلى إيقاف عملياتها، لكن تفشل كل الضغوطات.
والواقع بالنسبة للعدو الإسرائيلي هو واقعٌ صعب فعلاً، بالرغم من جرائمه الفظيعة جداً، هي لا تمثل نصراً عسكرياً، ولا تعبِّر عن إنجازٍ عسكري، قتل الأطفال والنساء، هو يفعل في لبنان ما يفعله في فلسطين، يقتل الآلاف، ويجرح الآلاف من الأطفال والنساء، ويدمِّر المساكن، يعمل على نسف القرى بأكملها في جنوب لبنان... وغير ذلك، لكن واقعه هو مأزوم؛ ولــذلك أتى في سياق أزمته ومشاكله الداخلية، الخطوة التي أعلن عنها [المجرم نتنياهو] بإقالته ما يسمى بوزير الدفاع، وهو شريكه في الإجرام، والطغيان، والعدوان، لماذا أقاله؟! في سياق حالة من الأزمة والمشاكل الداخلية، التي في مقدِّمتها: مشكلة التجنيد، مشكلة التجنيد، الجيش الإسرائيلي تكبَّد الآلاف من الجرحى، والمئات من القتلى، من ضباطه وجنوده، وهم مجرد عصابات إجرامية يسمونهم جيشاً، ومع ذلك يحتاج إلى تعويض خسائره بالمزيد من التجنيد، حرَّك قوته الاحتياطية إلى أقصى حد، ولا يزال بحاجة إلى المزيد من التجنيد.
وأتت مشكلة [الحريديم]، وهي: المدارس الدينية المتشددة، الأكثر طغياناً، وكفراً، وإجراماً، وضلالاً، وهم يتهرَّبون من التجنيد، هم يريدون الآخرين فقط أن يقاتلوا عنهم، دون أن يسهموا هم في القتال، وتصاعدت معها اعتبارات ومشاكل سياسية أخرى في داخل الكيان المجرم، والعصابة الإجرامية الصهيونية، لتصل إلى هذا المستوى من الأزمة؛ ولــذلك وضعهم ليس وضعاً مريحاً، أزمة داخلية، خوف شامل، [المجرم نتنياهو] يعدهم بالأمن، وأنه يسعى لتحقيق الأمن والسلام لهم، فيما هم في حالة خوف شامل، الملايين ينزلون في الليل وفي النهار إلى الملاجئ، في حالة من الخوف، والرعب، وانعدام الاستقرار؛ ولــذلك هم في حالة صعبة جداً، وليسوا في حالة مريحة.
وضعهم الاقتصادي، بالرغم من الدعم الأمريكي الهائل، الذي يغطِّي أكثر من 70%، 75% من تكاليف عدوانهم وإجرامهم، ويوفر لهم من مخازنه ما يحتاجونه من القنابل لقتل الأطفال والنساء، وتدمير المدن والمساكن، بالرغم من كل ذلك، كلفة الحرب عليهم كبيرة جداً في اقتصادهم، وتقدر تكاليف الخسائر، الخسائر تقدر بـ (مائة وستين مليار دولار) حتى الآن، على مدى عام، ونحن في الشهر الثاني من العام الثاني، (مائة وستين مليار دولار)، ووضعهم الاقتصادي منهك جداً، ومأزوم، ومضغوط.
فيما يتعلق بجبهة الإسناد في يمن الإيمان والجهاد، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس): تستمر العمليات في البحار، ومنها عمليات الاستهداف للسفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي وبالأمريكي والبريطاني إلى البحر العربي، وهذا استمر في هذا الأسبوع، وكذلك بالعمليات إلى عمق فلسطين المحتلة، إلى يافا المحتلة، وأم الرشاش؛ لاستهداف أهداف تابعة للعدو الصهيوني، إضافةً إلى قرار في التعامل مع عمليات التمويه التي يلعبها الإسرائيلي، في نقل الملكية للسفن المرتبطة به، لكن بطريقة مخادعة، كان هناك إعلان واضح من الجيش اليمني يتعلَّق بهذه النقطة.
الأمريكي يواصل مع الغارات والقصف البحري مساعيه لتوريط الآخرين في المنطقة، يحاول أن يورِّط بعض الأنظمة العربية لتساند إسرائيل معه، ويحاول أيضاً أن يورِّط عملاءه في ذلك.
نتائج الانتخابات الأمريكية لن تؤثر على موقفنا المبدئي، ولا خيار للأعداء إلَّا وقف العدوان والحصار على غزة، ووقف العدوان أيضاً على لبنان.
نتائج الانتخابات الأمريكية قد يحاول البعض من الأنظمة العربية، ومن الأبواق الإعلامية التابعة لها، والمرتبطة بالأمريكي والإسرائيلي، التهويل بها على شعوبنا، والتخويف لشعوبنا من [ترامب]، بالنسبة لنا في اليمن: نحن لنا تجربة مع [ترامب]، والمنطقة بكلها لها تجربة، هو قد أمضى مدة رئاسة لأربع سنوات، فما الذي حققه من نجاحات؟ حَلَب بعض الأنظمة العربية، أخذ عليها مئات المليارات من الدولارات، أنهك اقتصادها، لكنه لم يحقق نتائج في أرض الواقع، لم يحسم الجبهات أبداً، لا جبهة اليمن، لا أنهى المقاومة في فلسطين، ولا في لبنان، لم ينهِ سوريا، لم ينهِ إيران، لم ينهِ العراق، ما الذي فعل؟! هو متقنٌ- هذا ما يمكن أن نشهد له به- لحلب الأنظمة العربية الحلوبة، التي تعطيه مقدرات شعوبها، وثروات أوطانها، وميزانياتها الهائلة؛ ليزوِّدها بشيءٍ من السلاح للفتن، وللاقتتال الداخلي بين أبناء الأمة، ولكن دون أن تصل إلى نتيجة.
ولــذلك بالنسبة لنا: أصلاً نحن موطِّنون أنفسنا، أنه مهما كان حجم أي تصعيد ضدنا في هذا البلد، أي عدوان يستهدفنا، أي صراع يستهدفنا؛ فلن يثنينا نهائياً عن موقفنا المبدئي الديني في نصرة الشعب الفلسطيني، لا [ترامب] ولا [بايدن]، ولا أي مجرم في هذا العالم، يتمكن من أن يثنينا عن موقفنا الثابت، المبدئي، الديني، في نصرة الشعب الفلسطيني؛ ولـذلك الخيار الأفضل للأمريكي ولغيره، هو: وقف العدوان والحصار عن غزة، وقف العدوان على لبنان، إنهاء هذه الحروب، [ترامب] يقول أنه سينهي الحروب وليس سيشعلها، إذا كان صادقاً، فليوقف العدوان الذي أمريكا شريكةٌ فيه على قطاع غزة، وعلى لبنان، ولينهِ الحصار، ليكون له إنجازاً دبلوماسياً، إن أراد أن يكون له إنجاز؛ أمَّا المزيد من العدوان والفتن، فهي لن تحقق له، ولا لأمريكا بكلها، ولا لإسرائيل، ولا لبريطانيا، ولا لكل أعداء أمتنا، أهدافهم.
المعركة اليوم، يتحرك فيها من هذه الأمة أبناؤها الذين يؤمنون بالله، ويثقون به، ويتوكَّلون عليه، ويعتمدون عليه "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويثقون بنصره، الأمة المجاهدة من أبناء أمتنا الإسلامية، التي هي اليوم تخوض المعركة في مواجهة العدو الإسرائيلي وشركائه، هي الأمة التي تثقفت بثقافة القرآن الكريم، فلا تخشى إلَّا الله، ولا ترهب سواه، ولا تكترث، ولا تنحني أمام أي طاغيةٍ في هذا العالم، مهما كان طغيانه، مهما كان إجرامه، مهما كان جبروته {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[التوبة:13]، {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:175]، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173].
في أيام فترة [ترامب] في المرحلة السابقة، في فترة رئاسته لأمريكا، واجهنا العدوان الأمريكي، وشركاء أمريكا الذين اعتدوا على بلدنا، بإمكاناتهم، بأنواع سلاحهم، بمؤامراتهم، بمخططاتهم، ونحن في وضع أضعف مما نحن فيه الآن بكثير، وأصعب مما نحن فيه الآن بكثير، وضعيتنا اليوم وهي كلها بالاعتماد على الله، والرهان عليه، والتوكل عليه، لن نعجب لا بكثرة، ولا بنوعٍ من الإمكانيات أصبح بأيدينا، كل ذلك فاعليته مع التأييد الإلهي، مع المعونة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، مع الرعاية الإلهية.
ولذلك نحن حاضرون في هذه المعركة، مستمرون في مساندة الشعب الفلسطيني، واقفون في هذا الموقف بكل ثبات، سعياً لمرضاة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وثقةً به، وتوكلاً عليه، وثقةً بالنصر الموعود، ونحن مواصلون في التصعيد بكل ما نمتلك، ونسعى- كما قلت مرارا وتكراراً- لما هو أعظم، لما هو أكبر، لما هو أقوى.
فيما يتعلَّق بالتحرك الشعبي: يواصل شعبنا أيضاً حركته، نشاطه، مسيراته، مظاهراته؛ لأن هذا جزءٌ من الموقف، جزءٌ من الجهاد، والحضور في الأسبوع القادم له أهمية كبيرة، يعني: في يوم الغد، الحضور في يوم الغد له أهميةٌ كبيرةٌ جداً، ما بعد نتائج الانتخابات الأمريكية، ليسمع الأمريكي، ليسمع كل طواغيت العالم، ليسمع العدو، وليسمع الصديق، ليسمع كل أولئك الذين ينظرون إلى [ترامب] بإكبار، ويقدِّمونه كبعبع، يحاولون أن يخيفوا الأمة منه، أنَّ شعبنا العزيز بانتمائه الإيماني، بروحيته الإيمانية، بانطلاقته الإيمانية؛ لأنه يمن الإيمان، يمن الحكمة، يمن الجهاد، أحفاد الأنصار، لا يبالي بأي طاغيةٍ في هذا العالم، ولن يتراجع عن موقفه أبداً في نصرة الشعب الفلسطيني ومساندته، مهما كانت التحديات.
شعبنا سيخرج في هذا الأسبوع، في يوم الجمعة غداً إن شاء الله، حضوراً مليونياً، وخروجاً مليونياً كبيراً جداً، يعبِّر عن وفائه، عن ثباته، عن شجاعته، عن وعيه، عن إيمانه، عن صموده، فهو شعب الدين والإيمان، شعب القيم والوفاء، لا يخشى إلَّا الله، وسيتحدى كل الطغاة، تحدى ذلك فيما قد مضى، ويتحدى فيما هو حاضر، ويتحدى في المستقبل كل طغاة هذا العالم، وجبابرته المجرمين.
أدعو شعبنا العزيز (يمن الإيمان والحكمة)، إلى الخروج المليون يوم الغد إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والمديريات، خروجاً مشرِّفاً، متحدياً لكل طواغيت العالم، مؤكِّداً على الوفاء، والثبات، والاستمرار في الموقف المساند للشعب الفلسطيني المظلوم، والمساند للشعب اللبناني، ولمجاهدي فلسطين ولبنان، أننا لن نتركهم لوحدهم أبداً، نقول لهم من جديد: (لستم وحدكم، ومعكم حتى النصر)، واللهُ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيل.
الخروج يوم الغد غزوة من أهم الغزوات في سبيل الله، الخروج في الميادين والساحات خروج مهم، له دلالته، يمثل رسالةً مهمة؛ ولذلك أرجو الاهتمام بذلك.
أَسْأَلُ اللهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْر لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِيّ المَظْلُوم وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، وَلِلشَّعبِ اللُبْنَانِيّ وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، لإِخْوَتِنَا فِي حِزْبِ الله، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول آخر تطورات العدوان على غزة ولبنان والمستجدات الإقليمية والدولية الخميس 5 جمادى الأولى 1446هـ / 7 نوفمبر 2024م.
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
للشهر الثاني من العام الثاني، يستمر العدوان الوحشي الإجرامي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويمارس العدو الإسرائيلي جرائم الإبادة الجماعية بالقتل والتجويع، ويستهدف كل مقومات الحياة.
في هذا الأسبوع، ارتكب العدو الإسرائيلي المجرم ما يزيد على ثلاثين مجزرةً دموية، استشهد فيها وجرح أكثر من (ألف وثلاثمائة فلسطيني)، معظمهم من الأطفال والنساء، ولأكثر من شهر يواصل العدو الإسرائيلي تصعيده الإجرامي الكبير ومذابحه الفظيعة شمال قطاع غزة، حيث تشير التقديرات إلى استشهاد أكثر من (ألفي فلسطيني) وجرح أكثر من (أربعة آلاف) خلال التصعيد العدواني هناك، ويمنع العدو الإسرائيلي دخول أي مواد غذائية أو طبية، ويفرض تحت القصف العنيف، والمذابح الكبيرة، والتجويع، تهجيراً قسرياً على سكان شمال قطاع غزة.
إجرامٌ متناهٍ يستخدم فيه العدو الإسرائيلي أشد أنواع القصف، ووسائل التدمير الشامل، لقتل أكبر عددٍ من المدنيين، وتدمير أكبر مساحةٍ من المباني، والحال في بقية قطاع غزة لا يختلف كثيراً، فالعدو يستهدف الأهالي الذين معظمهم نازحون، يستهدفهم بالغارات الجوية في مختلف أنحاء قطاع غزة، وبالقصف المدفعي في مراكز الإيواء وفي المخيمات، ويجوِّعهم، ففي خان يونس مثلاً- حيث هناك ما يقارب المليون نازح- مخبزٌ واحدٌ، ويتزاحم الناس على مدِّ البصر للحصول على ربطة خبزٍ واحدة.
العدو الإسرائيلي الفاشل في المواجهة العسكرية، والعاجز عن تحقيق أهدافه المعلنة من عدوانه على قطاع غزة، انتهج منذ البداية المسلك الإجرامي الوحشي للاستهداف الشامل للمدنيين، وأكثر ضحايا إجرامه هم الشهداء من الأطفال والنساء.
أمَّا على مستوى المواجهة العسكرية، فإخوتنا المجاهدون في قطاع غزة صامدون، ومتماسكون، وثابتون، وينكلون بالعدو، ويلحقون به الخسائر الكبيرة على مستوى عديده وعتاده، فهم يقتلون من ضباطه وجنوده، وهم يدمرون آلياته العسكرية ودباباته، وفي هذا الأسبوع كان هناك يقارب ستة عشر عملية لكتائب القسام، فيها الكمائن المنكلة بالعدو، والاشتباك المباشر مع جنوده، وإلحاق الخسائر المباشرة في صفوفهم، وكذلك التدمير للدبابات والآليات، والقصف بقذائف الهاون... وغير ذلك.
وكذلك سرايا القدس، لها الكثير من العمليات، من ضمنها: عمليات بالقصف الصاروخي إلى [مغتصبة سيديروت]، وهكذا العمليات التي تنفِّذها بقية الفصائل، التي تقاتل في سبيل الله تعالى، جنباً إلى جنب مع كتائب القسام.
العدو الإسرائيلي، في ظل فشله على مستوى المواجهة العسكرية، وعجزه عن القضاء على فصائل المقاومة، التي تجاهد في سبيل الله تعالى، وتتصدى لعدوانه وإجرامه، يعتمد في مقابل ذلك على ارتكاب الجرائم الكبيرة جداً، جرائم الإبادة الجماعية، ويتفنن في أنواع الجرائم، لكن ذلك- كما أكدنا كثيراً- لا يمثل إنجازاً عسكرياً مهما بلغ، مهما بلغ عدد ضحاياه من الشهداء من الأطفال والنساء، لا يمثل ذلك نصراً له، مهما دمَّر من المباني المدنية لا يعتبر ذلك نصراً له، ولا يزال في حالة الفشل الواضح والمؤكد.
مع طول الوقت، وحجم الإجرام المتراكم، ونحن في الشهر الثاني من العام الثاني، وجرائم الإبادة الجماعية، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة، هي جرائم يومية، في كل يوم، والمشاهد أيضاً لتلك الجرائم التي تنقلها وسائل الإعلام، ولاسيَّما القنوات الفضائية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، هي أيضاً مشاهد يومية، مشاهد مؤلمة، ومشاهد دامية، ومشاهد تُحرِّك الضمير الإنساني، لكل من بقي له ضميرٌ إنساني، تُحرِّك الشعور بالمسؤولية الدينية، في كل من بقي له ذرةٌ من الإيمان، والشعور بالانتماء للإسلام والدين الإلهي الحق، ولكن- للأسف الشديد- مع كل هذا المدى الزمني، وما تراكم فيه من مآسٍ وجرائم يرتكبها العدو الإسرائيلي، تتجدد مع كل يوم، فالموقف العربي ومن حوله الموقف الإسلامي- في معظمه- لا جديد فيه، فلا ما يستجد من جانب العدو الإسرائيلي من جرائم رهيبة جداً، ومنها: التصعيد الذي يقوم به حالياً في شمال قطاع غزة، ولا طول الوقت الذي عظمت فيه مأساة الشعب الفلسطيني، وكبرت فيه معاناته، ساعد أو أسهم في تحريك الضمير العربي الرسمي على المستوى الإنساني، أو الشعور بالمسؤولية الدينية، أو بأي دافعٍ وحافز، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جداً! حالةٌ خطيرة، تعتبر من الدلائل الواضحة على مدى الإفلاس الإنساني، والأخلاقي، والإيماني، لدى معظم الأنظمة العربية، وعلى امتداد التأثير السلبي للموقف الرسمي، في واقع الكثير من أبناء شعوب أمتنا، الذين رضوا لأنفسهم بأن يكونوا متفرجين، وألَّا يكون لهم أي موقف بأي مستوى، وهذا شيءٌ محزنٌ جداً!
في الواقع الرسمي العربي، دعك عن مسألة القتال المباشر، أو الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، أو مع أمريكا وإسرائيل، ولكن حتى على المستوى السياسي، الدبلوماسي، وبقية الاعتبارات، ليس هناك موقف بما تعنيه الكلمة، موقف سياسي يمكن أن يصنف كموقف، أو موقف على المستوى الإنساني لمساندة الشعب الفلسطيني يمكن أن يصنف كموقف... ولا أي شيء، مجرد بيانات، وحتى البيانات بنفسها ضعيفة، الموقف نفسه مستمرٌ تجاه إخوتنا المجاهدين في فلسطين، لا تزال بعض الأنظمة الرسمية تصنفهم إرهابيين بدون أي ذنب، إلا جهادهم في سبيل الله تعالى، في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، عن فلسطين ومقدساتها فقط، لم يفعلوا شيئاً بتلك الأنظمة، لم يستهدفوها بأي استهداف، لا عسكري، ولا سياسي، ولا إعلامي... ولا أي شيء، هم أبرياء تماماً من أي موقف تجاه تلك الأنظمة، بل كانوا ولا يزالون حريصين على أن يبدوا تجاهها إيجابيةً، في كلامهم، في مواقفهم، في إعلامهم، في مساعيهم لأن تكون العلاقات إيجابية مع كل أبناء الأمة، ولكن دون جدوى.
ولاحظوا، مع كل ما قد فعله العدو الإسرائيلي ويفعله، من جرائم الإبادة الجماعية اليومية الفظيعة، من قتلٍ لآلاف الأطفال والنساء عمداً وعدواناً، من تجويعٍ للملايين من أبناء الشعب الفلسطيني... من غير ذلك، من انتهاكات للمقدسات، ولحرمة المسجد الأقصى الشريف، كل ذلك لم يدفع ببعض الأنظمة العربية- من أبرز الأنظمة العربية- إلى مستوى التصنيف فقط، التصنيف له بالإرهاب، تصنيف فقط في القوائم، حتى لو لم يتبعه أي خطوة عملية (عسكرية، أو أمنية)، حتى على مستوى التصنيف، لم يفعلوا ذلك، أليس هذا يُبَيِّن ما هم عليه من الاعوجاج، وأنهم مرتبطون بالأمريكي والإسرائيلي نفسه في طبيعة التصنيفات تلك؟ ولهذا لم يُصَنِّفوا العدو الإسرائيلي حتى التصنيف، حتى بعض الوسائل الإعلامية العربية، لم يرق موقفها إلى مستوى الحديث عن الإسرائيلي بالتوصيف الطبيعي لجرائمه كجرائم، للحديث عنها كجرائم فظيعة، وتوصيفها بما ينبغي أن توصَّف به، وبما ينبغي أن يوصَّف به أيضاً هو، وهو يرتكب تلك الجرائم، بل لا زال بعض الإعلام العربي يساند العدو الإسرائيلي، ويخدمه بشكلٍ مفضوح وواضح، وبشكلٍ مخزٍ، لا مثيل له حتى في المراحل الماضية.
هذه الحالة التي عليها الموقف العربي، ومن حوله الموقف الإسلامي، في معظمه مع وجود استثناءات، مع وجود استثناءات، لكن في معظمه، هو يذكرنا ببداية المأساة التي عانى منها الشعب الفلسطيني، كيف بدأت تلك المأساة، وهذا أيضاً يلفت نظرنا جميعاً إلى ذكرى مرَّت بنا في هذا الأسبوع، وهي: ذكرى وعد بلفور، وعد بلفور الذي كان في الثاني من نوفمبر قبل مائة وسبعة أعوام، وعد بلفور البريطاني المشؤوم، الذي وعد بتمكين اليهود، قدَّم التزاماً بتمكين اليهود الصهاينة من احتلال فلسطين، ثم التحرك من خلال فلسطين لإقامة ما يحلمون به، وتحقيق هدفهم الذي كان هدفاً واضحاً منذ البداية، وهو: إقامة إسرائيل الكبرى على مساحة كبيرة من البلاد العربية، واتجه البريطاني بعد ذلك الالتزام، الذي يسمى بـ(وعد بلفور)، اتَّجه في خطواتٍ عملية لتحقيق ذلك، في إطار احتلاله لفلسطين، من خلال تنظيم حملات استقدام لليهود من مختلف أنحاء العالم، إلى فلسطين، وتجنيد الآلاف منهم في إطار الجيش البريطاني؛ لإعدادهم عسكرياً، وتمكين نفوذهم في الانتشار في فلسطين، والسيطرة والنهب، وإعدادهم لذلك، ثم تشكيل عصاباتهم الإجرامية، ودعمها بالسلاح، وبالإسناد العسكري، في جرائمها واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، والاستهداف لأي تحرُّك فلسطيني جهادي وحر لمواجهة ذلك.
هناك دروس وعبر مهمة وكثيرة مما حصل في البداية، فعندما نتساءل بدايةً، ما هو الدافع الذي دفع البريطاني آنذاك، إلى الإقدام على تلك الخطوة العدوانية الإجرامية، التي تستهدف العرب في أوطانهم، وفي حريتهم، وفي حقهم، لماذا فعل ذلك؟ هل كان هناك من الوسط العربي ما استفز البريطاني، ودفعه إلى أن يقوم أولاً باحتلال أجزاء واسعة من البلاد العربية، ومن بعد ذلك أن يُقْدِم على ذلك الجرم الكبير الفظيع، الذي يستهدف جزءاً مهماً من البلاد العربية في البداية، لم تكن إلا البداية؛ من أجل أن يلحق بها خطوات أخرى، ويستهدف بذلك شعباً عربياً مسلماً مظلوماً، وأرضاً له، فلسطين هي التي للشعب الفلسطيني، وبلادٌ عربية إسلامية، وفيها مقدسات ذات أهمية بالغة للمسلمين، منها المسجد الأقصى الشريف، وفيها غيره أيضاً من المقدسات، هل كان هناك في الواقع العربي ما استفزه واستثاره، فكان ما قام به البريطاني ردة فعل على الاستفزاز العربي؟ هذه مسألة مهمة؛ لأن أي تحرُّك في المرحلة الراهنة، في الاتجاه الجهادي والتحرري ضد أعداء الأمة، يُوَصَّفُ من قبل المثبطين، ومن قبل العملاء، ومن قبل من ينقصه الوعي، على أنه تحرُّك استفزازي، ويُقَدَّم في أوساط الأمة على أنه هو من يمثل المشكلة، التي يجب الخلاص منها لتهدأ الأمة، ولتستقر أوضاعها، الدروس في البداية هي دروس مهمة جداً، مع دروس بعدها كثيرةٌ وكثيرة.
على العكس من ذلك تماماً، لم يكن في تلك المرحلة في الواقع العربي ما يستفز البريطاني، بل كان العرب في تلك المرحلة، وقبل الاحتلال البريطاني لمعظم البلدان العربية، كانت كثير من القوى العربية البارزة اتجهت لإقامة علاقات ودِّيَّة مع البريطاني، وتعاونت معه، وارتبطت بعلاقات قوية به، وقدمت له الخدمات الكبيرة، مقابل الوعود التي قدَّمها لها، في أن يمكنها من أن تكون هي المسيطرة على الواقع العربي، وأن تكون هي من يحكم الواقع العربي، مثل ما يفعله الأمريكي في هذه المراحل مع بعض الزعماء والأنظمة العربية تماماً، يبيعهم الوهم والسراب، في شكل وعود مُعَيَّنة من تمكينهم لأن يكونوا هم القوة الأساسية، والحاكمون، والمسيطرون، وهكذا باع بعض الدول العربية هذا الوهم في تلك المرحلة، في مقابل أن يتعاونوا معه، وتعاونوا معه، ودخلوا معه في علاقات كبيرة؛ حتى تمكن من احتلال بلدان كثيرة في العالم العربي، ثم تنكَّر لوعودهم، ونفى البعض منهم، وتجاهل كل ما قدموه له من خدمات، وتنكَّر لها بشكلٍ عجيب، وبجفاءٍ كبير، وَحَمَّلَهُم المسؤولية أنهم تعاملوا معه بغباء.
الضباط والقادة البريطانيون كانوا يقولون لمن وقف معهم من العرب، وتعاون معهم من العرب، في المرحلة التي يطالبهم فيها أولئك أن يفوا لهم بوعودهم، قالوا لهم: [أنتم أغبياء، وهذه مشكلتكم، كيف صدقتمونا؟! وكيف صدقتم وعودنا؟!]، وكانت المكافأة من نصيب من نصيب اليهود في إطار الحركة الصهيونية، التي تتجه فعلياً ضمن مشروع صهيوني آمنت به قوى في الغرب، في بريطانيا، وأمريكا، وأوروبا، واتَّجهت لدعمه، والمشروع الصهيوني يستهدف الأمة الإسلامية والعربية في كل شيء: في أرضها، وعرضها، ودينها، ودنياها؛ ولــذلك اتَّجه البريطاني لأن يستقدم اليهود إلى بلاد العرب والمسلمين، إلى فلسطين، ولم يكن منذ البداية الأمر مقتصراً على فلسطين؛ إنما كانت هي المقدمة؛ لأن اليهود لا يمتلكون من اللحظة الأولى، القدرة على تأمين الزخم البشري اللازم لانتشارهم في أنحاء واسعة من العالم العربي، لكن أرادوا أن تكون فلسطين هي البداية، وهذا كان واضحاً فيما بعد ذلك، ولا يزال واضحاً الآن في كل شيء: في ثقافتهم، في مناهجهم، في سياساتهم، في خططهم، في تصريحاتهم، في مواقفهم... في غير ذلك. وأتى التوافد الصهيوني اليهودي من مختلف أنحاء العالم إلى فلسطين- كما قلنا- في إطار رعاية بريطانية، وتجنيد، وتأهيل، وبناء، وإعداد، وتمكين، ودعم، ومساندة... وغير ذلك.
اليهود بأنفسهم، لماذا اتجهوا إلى تلك الخطوة العدائية، التي تستهدف الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية؟ هل كان هناك في تلك المرحلة بالتحديد ما يستفزهم من جانب العرب والمسلمين؟
على العكس من ذلك، كان اليهود- وعلى مدى قرون من الزمن- يعيشون في العالم الإسلامي في بلدان متعددة، وهم في حالة الشتات، في ظروف تختلف كثيراً عن الظروف التي يعيشونها في المجتمعات والبلدان الغربية، كانوا يعيشون بأمن وأمان وسلم وسلام، ويعيشون في ظل أجواء يعيشون فيها الاستقرار وظروف ملائمة للحياة، لم يكن هناك حالة اضطهاد لهم، ولا ظلم لهم، بل على العكس من ذلك، كانت بعض الدول في العالم الإسلامي، وفي مراحل كثيرة من التاريخ الإسلامي، تعاملهم في بعض الأحيان أحسن من الكثير من المسلمين، من المواطنين المسلمين، وهذا شيءٌ معروف في التاريخ الإسلامي، وفي تاريخ كثيرٍ من الدول، والحكومات التي تعاقبت في تاريخ المسلمين، كيف كانت تتعامل معهم، بل كانوا هم، في كل مرحلة من مراحل مآسي الأمة ونكباتها، من يبادرون إلى التآمر على المسلمين، مع أي عدوٍ يستهدفهم، وهذا أيضاً معروفٌ في التاريخ، وموثقٌ في كتب التاريخ.
مع ذلك اتجهوا هم (اليهود)، وهم الذين تعرَّضوا في البلدان الغربية في مراحل معينة، قبل أن يؤثِّروا على الثقافة الغربية، وقبل أن يخترقوا المعتقدات، بما يغيروا النظرة إليهم تماماً، وقبل أن يرسِّخوا المشروع الصهيوني كمعتقد ديني في أوساط البلدان الأوروبية، وفي أمريكا، ما قبل ذلك تعرضوا في مراحل تاريخية معينة لاضطهاد كبير هناك، وقمع شديد، وإذلال كبير، وهذا معروفٌ أيضاً في التاريخ؛ لكنهم اتجهوا بكل حقد، وعداء شديد، ضد المسلمين، ولاستهداف المسلمين، بدءاً بالشعب الفلسطيني، والذي حدث أنهم اتجهوا ضمن مشروعهم ذلك، الذي جعلوا له صيغةً كمعتقدٍ ديني، وأصبحوا يتحركون على أساسه، ويشترك معهم الغرب، في كثيرٍ من قواه وحُكَّامه وأنظمته، في الإيمان بذلك المعتقد الصهيوني، الذي يستهدف أمتنا الإسلامية، وبلادنا العربية، في إقامة ما يسمونه بـ[إسرائيل الكبرى]، من النيل إلى الفرات، ومعظم الجزيرة العربية، ومكة والمدينة، ومن ثم السيطرة على بقية المنطقة بكلها، كما يقول المجرم نتنياهو: [تغيير الشرق الأوسط بكله]، ومن ثم تعزيز نفوذ عالمي لهم، وصولاً إلى إقامة حلمهم، بحكومة عالمية يحكمون منها العالم، من خلال سيطرتهم على البلاد العربية، بعد أن يكونوا قد تخلصوا من المسلمين والعرب، كما فعل الأوروبيون الذين اتجهوا إلى أمريكا، وقاموا بالقضاء تماماً على (الهنود الحمر) السكان الأصليين لأمريكا، الذين كانت تُقَدَّر أعدادهم في بعض المصادر التاريخية بثلاثين مليون نسمة، وعندهم هذا الأمل: أن يتخلصوا من العرب بوسائل كثيرة، وأن يستفيدوا منهم، وأن يكون لهم برنامج مرحلي، في كل مرحلة يحققون مستوىً معيناً من النتائج، وقدراً من الإنجازات، حتى يصلوا إلى هدفهم الكبير.
إذاً بريطانيا أقدمت على هذه الخطة من دون استفزاز، من دون أي تحرُكٍ مناوئٍ لها، أو معادٍ لها، في معظم البلدان العربية، إلا القليل النادر، في مناطق لم يصلوا إليها؛ أمَّا بقية القوى، الأنظمة، كانت متعاونةً معهم، منسقةً معهم، متواطئةً معهم، وتواطأ البعض منهم حتى فيما يتعلق بالوضع في فلسطين، وأسهمت بعض الأنظمة العربية- آنذاك- في العمل على إيقاف الحركة الثورية الجهادية للشعب الفلسطيني في مراحل مهمة، كان يمكن أن يكون لها جدوى بشكلٍ كبير، وتأثير كبير على الوضع هناك، وتعاونوا مع بريطانيا.
الصهاينة منذ المرحلة الأولى تعاملوا بحقد وإجرام، وإبادة جماعية، استهدفوا الشعب الفلسطيني في القرى، في المدن، بأفظع جرائم الإبادة والقتل، في بعض القرى كانوا يجمعونهم إلى مسجد القرية، ثم يقومون بإبادتهم بشكلٍ كامل، قتلوا بعض الأهالي في بعض القرى بالسكاكين والخناجر والفؤوس، حتى الأطفال والنساء استهدفوهم بذلك... جرائم كثيرة جداً، مسلكهم الإجرامي كان منذ اليوم الأول، وهل كانت القضية آنذاك ايرانية؟! آنذاك لم يكن لإيران أي علاقة بما يحدث في المنطقة العربية، كانت هناك، أيضاً عانت في مراحل معينة من الاحتلال البريطاني، والسيطرة الأجنبية، ومن بعد ذلك أنظمة موالية لأمريكا وبريطانيا والغرب، ما قبل الثورة الإسلامية في إيران؛ فإذا لم تكن المسألة ردة فعل تجاه إيران، ولا موقف من أجل إيران، ولا علاقة لإيران بالموضوع، والمستهدف منذ البداية كان هو العرب، الثورة الإسلامية من وفائها للإسلام، لقيمها، لمبادئها التي قامت عليها، أنها تبنَّت النصرة للشعب الفلسطيني كواجبٍ إسلامي، وهذا هو واجبها الإسلامي فعلاً، وبقيت مستمرةً على هذا الأساس، وهذه إيجابية كبيرة جداً.
العوامل الأساسية التي مكَّنت من تحقيق وعد بلفور، ومن أن ينجح البريطاني، وكان هناك دفع أمريكي، هناك مصادر تاريخية تؤكِّد على أن الأمريكي- من تلك المرحلة المبكرة- كان من ضمن من سعى لدفع البريطاني إلى تحقيق ذلك، وإلى فعل ذلك، وإلى الإقدام على هذه الخطوة العدوانية، التي استهدفت أمتنا الإسلامية في بلادها العربية. العوامل التي مكنت الأعداء من ذلك ما هي؟
أولها: وضعية الأمة.
وثانيها: رعاية الغرب الكافر: البريطاني، ومعه الأمريكي؛ ومن بعده الأمريكي، وأصبح البريطاني في ظله، الدور الأبرز هو لأمريكا وبريطانيا، مع أنه هناك تعاون من فرنسا، من ألمانيا... من دول غربية أخرى.
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" كان قد شتت شمل اليهود؛ لماضيهم الإجرامي، والمنحرف، والعدواني، والسيء، فقطَّعهم في الأرض أُمماً؛ ولـذلك لم يكن لهم تواجد في بلدٍ واحدٍ، يشكِّلون فيه كيانًا لهم، ويُمَثِّل عامل قوةٍ لهم، وهذه رحمةٌ من الله بعباده؛ لما يشكلون من خطورة كبيرة على المجتمع البشري، واستمر حالهم في الشتات على مدى مئات السنوات، بل آلاف السنوات، دهر طويل جداً وهم في حالة من الشتات والفرقة، فما الذي هيأ لهم أن يأتوا من جديد، ليتجمعوا في إطار عدوان، يحتلون به بلداً عربياً مسلماً، وفي إطار آمال وأهداف أوسع من ذلك، يستهدفون نطاق أوسع، ويستهدفون مقدسات المسلمين، ومن ضمنها المسجد الأقصى.
بالنسبة للعامل الأول، وهو عاملٌ خطير، ويجب أن تلتفت إليه الأمة، هي: وضعيتها التي هيَّأت لذلك، أصبحت مطمعاً لأعدائها، وبيئةً مهيأةً لذلك.
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قال في القرآن الكريم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ}[آل عمران : 112]، وهو يتحدث عنهم، عن اليهود، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران:112]، {أَيْنَ مَا ثُقِفُوا}[آل عمران:112]، يعني: في أي زمانٍ ومكان، أصبحت مضروبةً عليهم حالة الذلة، وهي حالة تكبِّلهم عن أن يتمكنوا من النفوذ والسيطرة؛ لأنهم يشكِّلون خطراً كبيرًا على الناس، يعني: هذا من عدل الله، وهذا من رحمته؛ لأنهم بمعتقداتهم، وثقافتهم الشيطانية الباطلة، يحملون حقداً كبيراً على المجتمع البشري، ولديهم أطماع كبيرة جداً، وهم- في نفس الوقت- يتجرَّدون من القيم الإنسانية والأخلاقية، يظهر لنا ما هم عليه من السوء، والحقد، والعدوانية، والإجرام، والشر، والخطر، هم ظلاميون في أفكارهم، ومجرمون في سلوكهم، وعدوانيون في أهدافهم وسياساتهم؛ ولـذلك الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وقى الأمة من شرهم، ووقى المجتمع البشري من كثيرٍ من شرهم، من كثيرٍ من شرهم، على مدى آلاف السنوات؛ لما يشكلونه من خطورة بالغة على الناس، بسوئهم، وإجرامهم، وحقدهم، فكبَّلهم وقيَّدهم بالذلة، فكانوا في حالةٍ من الذلة التي تمنعهم عن الإقدام على نشاط عسكري، وجرأة عسكرية لأعمال عدوانية لقتل الناس وإبادة الناس.
{إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران:112]، الحالة الاستثنائية التي يتمكنون فيها من أن يكونوا مقدمين بجرأة على قتال الناس الآخرين، وعلى الاعتداء عليهم، وعلى الحرب ضدهم، هي تلك الحالة: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران:112]، والحالة التي حصلت هي حالة تتعلق بالأمة الإسلامية بكلها، والعرب جميعاً في المقدِّمة، العرب جميعاً في المقدِّمة، ما هي الاشكالية التي حصلت للعرب بينهم وبين الله حتى يكون هناك حبل من الله للبريطاني، ليمكِّن الصهاينة لاستهداف هذه الأمة؟ الحبل هذا هو حبل التسليط؛ نتيجةً لتفريط هذه الأمة في مسؤوليتها المقدَّسة، وواجبها العظيم، بحكم انتمائها للإسلام، والرسالة الإلهية، التي هي إرث جميع الرسل والأنبياء.
الأمة الإسلامية- وفي المقدِّمة العرب- شرَّفها الله بالإسلام، والإسلام ليس فقط مقتصراً على الشعائر الدينية، هي جزءٌ منه، ولكن له رسالة، وهناك مسؤولية على هذه الأمة، هي تلك المسؤولية التي عبَّر الله عنها في القرآن الكريم بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110]، هذه الأمة ما هي واجباتها ومسؤولياتها لتكون خير أمة؟ وما هي الخيريَّة هذه التي تجعل منها خير الأمم؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110].
هذه الأمة هي المعنية بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}[النساء:135]، وأعطاها الله ما يؤهلها لذلك: من إمكانات، من موقع جغرافي، من مقدرات، وأعطاها هدىً عظيماً هو القرآن الكريم، ووعدها بالنصر، والتأييد، والرعاية، وأن يكون معها إذا نهضت لأداء مسؤوليتها هذه، لتكون الأمة التي لها الريادة في العالم، في إطار هذه المسؤولية المقدَّسة:
تدعو إلى الخير، وتواجه الشر والأشرار، وتسعى لحماية المجتمعات البشرية من الشر والأشرار.
تأمر بالقسط، وتعمل على إقامة القسط في الحياة، وتواجه الظلم والظالمين، وتمنعهم من ممارسة الظلم، وتسعى لإقامة ذلك في مختلف ربوع أرجاء المعمورة.
تتحرك للنهي عن المنكر، والباطل، والفساد، وتسعى لنشر المعروف، وإقامة المعروف، والأمر بالمعروف في عنوانه الواسع، الذي يشمل مختلف المجالات.
لتنقذ المجتمع البشري من منابع الشر، ومنابع الإجرام، ومنابع الظلم والطغيان والفساد، وهي تلك القوى التي يعبِّر عنها القرآن الكريم بطائفةٍ من أهل الكتاب، وفريقٍ من أهل الكتاب، فريق الشر، والإجرام، والخطر، والضلال، الفريق الظلامي المجرم من أهل الكتاب: اليهود، ومن يواليهم من النصارى ويتحرَّك معهم، وكانوا جنباً إلى جنب على مدى تاريخٍ طويل، كما يقول الله عنهم: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51]، يتآمرون على أبناء هذه الأمة، ويستهدفون هذا الدور المقدَّس والعظيم، الذي هو لخير المجتمعات البشرية.
عندما فرَّطت الأمة في هذا الواجب المقدَّس؛ اتَّجهت نحو اهتمامات أخرى، غلبت على أبنائها المصالح الشخصية، والفئوية، والأهواء، والرغبات، والأطماع، وهبطت الأمة، هبطت أخلاقياً، هبطت فكرياً وثقافياً، هبطت في أهدافها، في دورها، هبطت في كل شيء نحو الأسفل، واستمر هبوطها إلى أن وصلت في الحضيض، وأصبحت قوى كثيرة من أبنائها تمدُّ يدها للبريطاني، والبعض يمدُّ يده- في مراحل مختلفة من التاريخ- إلى قوى أو قوى هناك من قوى الكفر، والظلام، والباطل؛ لتستند إليهم في تحقيق نفوذ ومصالح هنا أو هناك، أو تستند إليهم في حسم صراعات ومشاكل داخلية، مع خصمٍ هنا أو خصمٍ هناك من داخل الأمة، هذا أوقع الأمة في الحضيض، وجعلها في مقام المؤاخذة الإلهية؛ فَقَدت عزتها، فَقَدت قوَّتها، فَقَدت دورها بين الأمم، وأصبحت ساحةً مفتوحةً لكل الطامعين من مختلف القوى الكافرة، التي أصبحت تتسابق طامعةً في هذه الأمة، في بلدانها، وثرواتها، وموقعها الجغرافي، ومنافذها البحرية المهمة... وغير ذلك، وهكذا حصل، وأتى ما أتى من جانب البريطاني، ومعه الأمريكي، ومعه القوى الغربية، والمشروع الصهيوني، في ظل تلك الوضعية السيئة جداً.
ولهذا لابدَّ لأمتنا أن تسعى بجد لتصحيح وضعيتها؛ لأنه في الحال الذي تخرج فيه من دائرة المؤاخذة الإلهية، وتتجه للثقة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والتوكل عليه، من أجل النهوض بمسؤوليتها، تتحرك فعلياً بإنابةٍ صادقةٍ إلى الله، للتحرك عملياً؛ سيمدها الله بالعون، بالنصر، بالتأييد، بوعده الصادق الذي لا يتخلَّف أبداً، كما مدَّ وأعان وأيَّد ونصر أوائلها، الذين تحرَّكوا تحت راية الإسلام، في صدر الإسلام الأول، وأمدَّهم الله بالتمكين العظيم.
واقع الأمة إذا اتَّجهت للنهوض بمسؤوليتها، وإنابة إلى الله؛ فذلك الحبل سينتهي: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ}[آل عمران:112]، إذا قطع الله ذلك الحبل: حبل المؤاخذة والتسليط عن هذه الأمة؛ حينها سينتهي الحبل الآخر الذي من الناس، عندما تتحرك هذه الأمة، تقف على قدميها، تنهض بمسؤوليتها، تعتمد على الله ربها، وتثق به، وتتوكل عليه، وتطهِّر ساحتها من الظلم والفساد، وتسعى لدورها العالمي والريادي، عندما تتَّجه هذا التوجه بصدق وجد مع الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ فمنذ البداية يعطيها الله العون، النصر، التأييد، تمكين، وحينها سترى الكثير من القوى الغربية نفسها في موقف العاجز، الفاشل، المستسلم، الخاسر، المستسلم في ما يتعلَّق بأهدافه داخل هذه الأمة، سيرى أنَّ ساحة هذه الأمة أصبحت محصَّنة، وقوية، ومنيعة، وأنَّ هذه الأمة اتَّجهت اتِّجاهاً جاداً، هذا شيءٌ مهم.
أمَّا في الحالة التي يقف فيها البعض من أبناء الأمة، في الحالة نفسها: حالة التخاذل، والإعراض، والتجاهل، والتعامي عن كل الأحداث، وعن خلفياتها، وعن أسبابها، وعن نتائجها؛ فيمكن للأمة أن تتكبَّد الكثير من الخسائر، ولكن الاتِّجاه من أبناء الأمة، الاتِّجاه الواعي، الاتِّجاه الذي يستجيب لله تعالى، يتحرَّك في إطار المسؤولية المقدَّسة لهذه الأمة، ينهض بواجبه، يتصدى للأعداء، ينطلق من المنطلقات الإيمانية والقرآنية، ليحظى بتأييد الله ومعونته، فهو سيحقق هو النتائج، مهما كان هناك من أعباء، من محن، من متاعب، هي نتيجةً للوضعية التي وصلت إليها الأمة بتفريطها في المقام الأول؛ ولــذلك يتحرك أحرار الأمة في هذه المرحلة، يتحرَّكون من نقطة الصفر، فكانت هناك أعباء كبيرة، وصعوبات كبيرة، ومتاعب كبيرة؛ لأن التحرك من نقطة الصفر، ولكن معه رعاية إلهية، معه عونٌ من الله تعالى، ولذا نرى ما عليه إخوتنا المجاهدون في فلسطين من ثبات وفاعلية، بالرغم من الظروف الصعبة جداً، ولكن نرى هذه الرعاية الإلهية، عندما كان هناك من استجاب لله، وما رأيناه في لبنان أكثر، وما قامت عليه تجربتنا في اليمن كذلك... وهكذا أبناء الأمة الأحرار في مختلف البلدان، الذين استجابوا لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتحرَّكوا وفق هدي الله وتعليماته.
اليهود لا يمتلكون المقومات الذاتية لأن يفرضوا لهم كياناً متماسكاً، قوياً، صامداً، ولا يستندون إلى حقوق يعتمدون عليها، هم في موقف العدوان؛ ولذلك أتى بهم البريطاني، وأتى من بعد البريطاني أتى الأمريكي، وأتت الدول الغربية، ومن بعد ذلك حتى الأمم المتحدة تعترف بالعدو الصهيوني عضواً كأي دولة أخرى في مجموعة الأمم المتحدة، الأمم المتحدة في جمعيتها ومجموعتها تعترف بالعدو الصهيوني ضمنها، يعتبر هذا من الشواهد الواضحة على أنها لا تقوم على أساسٍ من العدل، العدل مغيَّب في ظل الهيمنة الغربية، في ظل هيمنة الطاغوت المستكبر الظلامي، لا وجود للعدل، العدل مضيَّع، يضيَّع على شعوب بأكملها، على شعوب بأكملها.
أمَّتنا الإسلامية استهدفت بشكلٍ كامل، بغياب العدل بشكلٍ كامل؛ ولهــذا- كما قلنا في الأسبوع الماضي- الأمة الإسلامية هي المعنية بإقامة القسط، وأن تفرض القسط في العالم، والعدل في العالم؛ أمَّا البقية:
ما الذي تفعله لك الأمم المتحدة؟! اعترفت بالعدو الإسرائيلي القائم على الاغتصاب، والظلم، والجرائم الفظيعة، وقتل الأطفال والنساء، والتهجير القسري للملايين من ديارهم، والاغتصاب لبيوتهم، لقراهم، لمدنهم، لأراضيهم، اعترفت به عضواً فيها.
المحاكم الدولية ماذا تفعل وفعلت؟! متى فعلت شيئاً؟
مؤسسات تأسست من بعد القضية الفلسطينية بزمن، ومنذ أن تأسست إلى اليوم لم تفعل شيئاً لفلسطين، بل خدمت العدو الإسرائيلي، وقدَّمت له الخدمات الواضحة.
ولـــذلك فالعالم الغربي، الذي ينظر إليه الكثير من أبناء أمتنا على أنه عالم الحُرِّيَّة، والحضارة، والحقوق: حقوق الإنسان، وحقوق الحيوان، ويغترون به بكل غباء، هو أسند هذا الظلم والباطل الإسرائيلي ضد أمتنا، وضد الشعب الفلسطيني، ضد لبنان، عندما اتَّجه العدو الإسرائيلي لاحتلال لبنان، ضد كل بلداننا العربية التي استهدفها العدو الإسرائيلي: سوريا، الأردن، مصر، اتَّجه ضدها كلها، ولم يفعل لها شيئاً.
في الدور الأمريكي، الدور الأمريكي كان- كما قلنا وحسب بعض المصادر التاريخية- من وقت مبكر، دفع بالبريطاني إلى فعل ذلك، ثم تولى- بعد الانحسار للدور البريطاني- تولى هو كِبْرَ هذا الجرم، وتولى هذا الوزر العظيم، بأن يكون شريكاً للعدو الإسرائيلي، وداعماً أساسياً له، مع بقاء الدعم البريطاني، والمشاركة البريطانية، والإسهام البريطاني، وكلهم يرتبطون مع العدو الإسرائيلي في الاعتقاد بالمشروع الصهيوني، عقيدة دينية، وأطماع استعمارية، وأحقاد على هذه الأمة، ويعتبرونها فرصة مهيأة لهم، زادت من طمعهم وضعية الأمة.
ولــذلك استمر الأمريكي، ويستمر، ويتنافس- على مدى عقود من الزمن- الحزبان (الجمهوري، والديمقراطي) في أمريكا، في الانتخابات الرئاسية، وفي الانتخابات للكونغرس، يتنافسون أيهم يقدِّم خدمات أكثر للعدو الإسرائيلي، وللمشروع الصهيوني، وهذا شيءٌ واضح، معلنٌ في حملاتهم الدعائية.
وكذلك يتعاقب الرؤساء الأمريكيون رئيساً بعد رئيس، في أن يحسب لكلٍّ منهم أنه قدَّم للعدو الإسرائيلي، وللمشروع الصهيوني أكثر مما قدَّم الرئيس الذي قبله، أو أيُّ رئيسٍ قبله من رؤساء أمريكا، هذا أيضاً شيءٌ واضحٌ؛ ولــذلك حرص [المجرم بايدن] في فترة رئاسته لأمريكا، أن يقدِّم من الدعم العسكري، والسياسي، والاقتصادي، والإعلامي، للعدو الإسرائيلي، ما لم يقدِّمه أيُّ رئيسٍ كان قبله، حرص على أن يكون بهذا المستوى من الدعم والتعاون مع العدو الإسرائيلي، ومع المشروع الصهيوني، وهو أعلن عن نفسه جهاراً نهاراً بأنه صهيوني، [بايدن] بنفسه قال عن نفسه بأنه صهيوني، يعني: يعلن للعرب أنه يؤمن بالمشروع الصهيوني، الذي يستهدف أرضهم، وعرضهم، وبلادهم، وأوطانهم، وثرواتهم، ومكَّتهم ومدينتهم، وقدسهم، يتكلم بكل صراحةٍ ووضوح، وتعلن وسائل الإعلام ذلك، وتُشَاهَد الفيديوهات وهو يتحدث بذلك.
وهكذا يأتي الآن [ترامب]، كنتيجة للانتخابات الأمريكية، التي كانت قبل أمس في يوم الثلاثاء، [ترامب] بنفسه كان في مدة رئاسية سابقة، حرص على أن يقدِّم فيها للعدو الإسرائيلي إنجازات معينة، وأن يتباهى بأنه سيفعل ما لم يفعله الأوائل قبله من الرؤساء الأمريكيين، حينها مع الاعتراف بالقدس بكلها عاصمةً للعدو الإسرائيلي، ومناقضةً للأسلوب السياسي الشكلي، الذي يتظاهر به الأمريكيون فيما يتعلَّق بموضوع القدس وموضوع الدولتين، أتى بفكرة [أبو ديس وصفقة القرن]، ثم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في إطار موقفه واعترافه الصريح، ثم أعلن أيضاً عن هبته بالجولان السوري المحتل لإسرائيل، في محفل حضر فيه مسؤولون عرب، وصحفيون عرب، وقال فيه بكل سخرية، لكنه كان يقصد ما يقول: [إذا أرادت إسرائيل المزيد من الأراضي العربية، فهو مستعدٌ أن يعطيها، وأن يهبها لها]، هكذا هي النظرة الأمريكية، هكذا هو الأمريكي، يا من تتسابقون من زعماء العرب على الولاء له، على الطاعة له، على العلاقة معه، ليس لكم عنده أي قيمة أبداً، مهما فعلتم ومهما قدَّمتم، هو يريد أن يحلبكم، هو يرى في أثريائكم بقرةً حلوباً كما صرَّح هو، ويرى في الفقراء أمةً بائسةً تعيسةً، ليس لها في حساباته إلَّا الموت، والدمار، والهلاك.
[ترامب] الذي سعى أيضاً لتطويع بعض العرب، ليكونوا خدَّاماً للعدو الإسرائيلي، بعنوان التطبيع، يسمي التطويع ذلك بالتطبيع، ولكنه تطويعٌ لخدمة العدو الإسرائيلي، ومصالحه مع أمريكا فقط، ليس إلَّا، وليس أكثر من ذلك أبداً.
[ترامب] بما قدَّمه آنذاك، اعتبر نفسه أنَّه أكثر اهتماماً ممن سبقه من الزعماء والرؤساء فيما قدَّمه للعدو الإسرائيلي، وأنه سيجيِّر البعض من أبناء أمتنا من الأنظمة الحاكمة بإمكانات شعوبهم وبلدانهم لخدمة العدو الإسرائيلي، وأتى بعنوان [صفقة القرن]، ولكنه فشل، مع كل عنجهيته، واستكباره، واستهتاره، وطغيانه، فشل، فشل، وكما فشل في المرة الأولى، سيفشل في هذه المرة، في فترة رئاسته هذه لأربع سنوات، مهما أثار من الفتن والمحن، ومهما ألحق بأمتنا من النكبات، نتيجةً لعملائه والمتواطئين معه، لكنه سيفشل، القضية الفلسطينية محميةٌ بالوعد الإلهي بزوال الكيان المؤقت، ومحميةٌ بأولياء الله، وعباده المجاهدين، المخلصين، المضحين في سبيل الله تعالى، وأمامكم يا أبناء أمتنا هذا النموذج الراقي، العظيم، الحي، الثابت، الصامد، المتماسك:
المجاهدين في قطاع غزة، بما هم عليه من الثبات، والتفاني، والاستبسال، الروح الجهادية الحيَّة العظيمة، الروح التحررية العظيمة، المتواجدة في الشعب الفلسطيني، بما ينفِّذه من عمليات في الضفة، بما ينفِّذه أبطال فلسطين من عمليات حتى في بقية أنحاء فلسطين، من مثل العمليات البطولية في عمليات الدهس للأعداء الصهاينة، التي حصلت واحدةٌ منها في الأسبوع الماضي، في منطقة حسَّاسة مهمة، استهدف بها وكراً من أوكار التجسس الإسرائيلي في يافا المحتلة.
وهكذا النموذج الآخر العظيم، القائم بالحق، والقائم بكل ثبات، هو: نموذج حزب الله في لبنان، وهي جبهة مباشرة ضد العدو الإسرائيلي، وأتت من مرحلة كان العدو الإسرائيلي يعوِّل فيها أنه قد أحكم سيطرته على لبنان عسكرياً، وسياسياً... وغير ذلك، فأتى حزب الله من تلك الظروف الصعبة، من تلك المرحلة القاسية جداً، نشأ، وتنامى، وتعاظم، وقوي، وأنجز الإنجازات الكبرى، وصولاً إلى التحرير في عام 2000، وصولاً إلى الوقوف الصامد والثابت وتحقيق انتصارٍ عظيم في 2006، ثم في هذه المرحلة.
على طول التاريخ، الذي تحرَّك فيه حزب الله في تاريخه، كان سنداً للشعب الفلسطيني، تضحياته، جهاده تمثل إسهاماً لخدمة الشعب الفلسطيني ومساندته، وأيضاً لعزة لبنان، وحرية لبنان، واستقلال لبنان، وحماية لبنان، والى الآن في هذه المرحلة المهمة جداً، منذ (عملية طوفان الأقصى) وقف حزب الله بجد، وفاعلية، ومصداقية، وثباتٍ عظيم، وتأثيرٍ على العدو في جبهة جنوب لبنان، بمحاذاة شمال فلسطين المحتلة، ينكِّل بالعدو الإسرائيلي بشكلٍ يومي.
اتَّجه العدو الإسرائيلي للتصعيد، استهدف قادة حزب الله، وشن عدواناً رهيباً وكبيراً بكل ما يمتلكه من قوة، بشراكةٍ أمريكية، ودعمٍ أمريكي، وبالسلاح الأمريكي، وبالتعاون الأمريكي، إلى المرحلة التي تصوَّر فيها أنَّه قد تمكَّن من إلحاق الهزيمة بحزب الله، ومن تقويض حزب الله، ثم إذا به يفاجأ، منذ أن بدأ العملية البرية، التي كان يتصوَّر أنها ستمضي بكل سهولة، فإذا به يواجه الهزائم في الميدان في جيشه، جيشه من يهزم في الميدان ويتكبَّد الخسائر الكبيرة، يقوم بتغيير تكتيكاته؛ فلا ينفعه ذلك، يتلقَّى ويتكبَّد الخسائر والهزائم في معركته.
في أربعينية شهيد الإسلام والإنسانية، السَّيِّد حسن نصر الله "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، وهو باستشهاده خسارة على الأمة الإسلامية بكلها، هو من القادة التاريخيين النادرين، لكنه أبقى للأمة مدرسةً متكاملة، يتخرَّج منها الأبطال، والشجعان، والمجاهدون الأعزاء، والأوفياء المستبصرون، الذين يقفون في وجه العدو الإسرائيلي بكل بسالة، بكل ثبات، بكل صمود، وببصيرةٍ وإيمانٍ، وروحيةٍ جهاديةٍ حسينية، وهم يقفون بكل ثبات، في أربعينيته قام حزب الله بعملية قوية جداً، وأمطر العدو الإسرائيلي بالصواريخ إلى يافا المحتلة، التي يسميها العدو [تل أبيب]، ويستهدف [مطار بن غوريون]، ويستهدف أيضاً معسكرات وقواعد عسكرية، والحرائق اشتعلت في كثيرٍ من المغتصبات، وفي مصانع تابعة للعدو الإسرائيلي، هذه الفاعلية، وهذا الحضور، في الوقت الذي كان يتوقَّع فيه العدو الإسرائيلي أن يكون قد تمكَّن من حسم المعركة مع حزب الله، ها هو حزب الله حاضرٌ بتماسكٌ تام، عملياته في إطار قيادة وسيطرة، وعمليات منسَّقة ومدروسة، وفاعلة، ومؤثِّرة.
الأمين العام لحزب الله الشيخ/ نعيم قاسم- كذلك- ألقى كلمته في مناسبة الأربعين لسماحة شهيد الإسلام والإنسانية السَّيِّد/ حسن نصر الله "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، كلمة كلها قوة، كلها تأكيد على الثبات في الموقف، على الاستمرار في النهج؛ ولذلك وضع حزب الله كنموذج واضح، وصامد، وثابت.
وهكذا هي أيضاً المقاومة الإسلامية في العراق، تستمر أيضاً في عملياتها بفاعلية، بتأثير، بتصاعدٍ في أدائها العملياتي، مع أنَّ هناك ضغوطاً سياسية وإعلامية كبيرة، تهدف إلى إيقاف عملياتها، لكن تفشل كل الضغوطات.
والواقع بالنسبة للعدو الإسرائيلي هو واقعٌ صعب فعلاً، بالرغم من جرائمه الفظيعة جداً، هي لا تمثل نصراً عسكرياً، ولا تعبِّر عن إنجازٍ عسكري، قتل الأطفال والنساء، هو يفعل في لبنان ما يفعله في فلسطين، يقتل الآلاف، ويجرح الآلاف من الأطفال والنساء، ويدمِّر المساكن، يعمل على نسف القرى بأكملها في جنوب لبنان... وغير ذلك، لكن واقعه هو مأزوم؛ ولــذلك أتى في سياق أزمته ومشاكله الداخلية، الخطوة التي أعلن عنها [المجرم نتنياهو] بإقالته ما يسمى بوزير الدفاع، وهو شريكه في الإجرام، والطغيان، والعدوان، لماذا أقاله؟! في سياق حالة من الأزمة والمشاكل الداخلية، التي في مقدِّمتها: مشكلة التجنيد، مشكلة التجنيد، الجيش الإسرائيلي تكبَّد الآلاف من الجرحى، والمئات من القتلى، من ضباطه وجنوده، وهم مجرد عصابات إجرامية يسمونهم جيشاً، ومع ذلك يحتاج إلى تعويض خسائره بالمزيد من التجنيد، حرَّك قوته الاحتياطية إلى أقصى حد، ولا يزال بحاجة إلى المزيد من التجنيد.
وأتت مشكلة [الحريديم]، وهي: المدارس الدينية المتشددة، الأكثر طغياناً، وكفراً، وإجراماً، وضلالاً، وهم يتهرَّبون من التجنيد، هم يريدون الآخرين فقط أن يقاتلوا عنهم، دون أن يسهموا هم في القتال، وتصاعدت معها اعتبارات ومشاكل سياسية أخرى في داخل الكيان المجرم، والعصابة الإجرامية الصهيونية، لتصل إلى هذا المستوى من الأزمة؛ ولــذلك وضعهم ليس وضعاً مريحاً، أزمة داخلية، خوف شامل، [المجرم نتنياهو] يعدهم بالأمن، وأنه يسعى لتحقيق الأمن والسلام لهم، فيما هم في حالة خوف شامل، الملايين ينزلون في الليل وفي النهار إلى الملاجئ، في حالة من الخوف، والرعب، وانعدام الاستقرار؛ ولــذلك هم في حالة صعبة جداً، وليسوا في حالة مريحة.
وضعهم الاقتصادي، بالرغم من الدعم الأمريكي الهائل، الذي يغطِّي أكثر من 70%، 75% من تكاليف عدوانهم وإجرامهم، ويوفر لهم من مخازنه ما يحتاجونه من القنابل لقتل الأطفال والنساء، وتدمير المدن والمساكن، بالرغم من كل ذلك، كلفة الحرب عليهم كبيرة جداً في اقتصادهم، وتقدر تكاليف الخسائر، الخسائر تقدر بـ (مائة وستين مليار دولار) حتى الآن، على مدى عام، ونحن في الشهر الثاني من العام الثاني، (مائة وستين مليار دولار)، ووضعهم الاقتصادي منهك جداً، ومأزوم، ومضغوط.
فيما يتعلق بجبهة الإسناد في يمن الإيمان والجهاد، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس): تستمر العمليات في البحار، ومنها عمليات الاستهداف للسفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي وبالأمريكي والبريطاني إلى البحر العربي، وهذا استمر في هذا الأسبوع، وكذلك بالعمليات إلى عمق فلسطين المحتلة، إلى يافا المحتلة، وأم الرشاش؛ لاستهداف أهداف تابعة للعدو الصهيوني، إضافةً إلى قرار في التعامل مع عمليات التمويه التي يلعبها الإسرائيلي، في نقل الملكية للسفن المرتبطة به، لكن بطريقة مخادعة، كان هناك إعلان واضح من الجيش اليمني يتعلَّق بهذه النقطة.
الأمريكي يواصل مع الغارات والقصف البحري مساعيه لتوريط الآخرين في المنطقة، يحاول أن يورِّط بعض الأنظمة العربية لتساند إسرائيل معه، ويحاول أيضاً أن يورِّط عملاءه في ذلك.
نتائج الانتخابات الأمريكية لن تؤثر على موقفنا المبدئي، ولا خيار للأعداء إلَّا وقف العدوان والحصار على غزة، ووقف العدوان أيضاً على لبنان.
نتائج الانتخابات الأمريكية قد يحاول البعض من الأنظمة العربية، ومن الأبواق الإعلامية التابعة لها، والمرتبطة بالأمريكي والإسرائيلي، التهويل بها على شعوبنا، والتخويف لشعوبنا من [ترامب]، بالنسبة لنا في اليمن: نحن لنا تجربة مع [ترامب]، والمنطقة بكلها لها تجربة، هو قد أمضى مدة رئاسة لأربع سنوات، فما الذي حققه من نجاحات؟ حَلَب بعض الأنظمة العربية، أخذ عليها مئات المليارات من الدولارات، أنهك اقتصادها، لكنه لم يحقق نتائج في أرض الواقع، لم يحسم الجبهات أبداً، لا جبهة اليمن، لا أنهى المقاومة في فلسطين، ولا في لبنان، لم ينهِ سوريا، لم ينهِ إيران، لم ينهِ العراق، ما الذي فعل؟! هو متقنٌ- هذا ما يمكن أن نشهد له به- لحلب الأنظمة العربية الحلوبة، التي تعطيه مقدرات شعوبها، وثروات أوطانها، وميزانياتها الهائلة؛ ليزوِّدها بشيءٍ من السلاح للفتن، وللاقتتال الداخلي بين أبناء الأمة، ولكن دون أن تصل إلى نتيجة.
ولــذلك بالنسبة لنا: أصلاً نحن موطِّنون أنفسنا، أنه مهما كان حجم أي تصعيد ضدنا في هذا البلد، أي عدوان يستهدفنا، أي صراع يستهدفنا؛ فلن يثنينا نهائياً عن موقفنا المبدئي الديني في نصرة الشعب الفلسطيني، لا [ترامب] ولا [بايدن]، ولا أي مجرم في هذا العالم، يتمكن من أن يثنينا عن موقفنا الثابت، المبدئي، الديني، في نصرة الشعب الفلسطيني؛ ولـذلك الخيار الأفضل للأمريكي ولغيره، هو: وقف العدوان والحصار عن غزة، وقف العدوان على لبنان، إنهاء هذه الحروب، [ترامب] يقول أنه سينهي الحروب وليس سيشعلها، إذا كان صادقاً، فليوقف العدوان الذي أمريكا شريكةٌ فيه على قطاع غزة، وعلى لبنان، ولينهِ الحصار، ليكون له إنجازاً دبلوماسياً، إن أراد أن يكون له إنجاز؛ أمَّا المزيد من العدوان والفتن، فهي لن تحقق له، ولا لأمريكا بكلها، ولا لإسرائيل، ولا لبريطانيا، ولا لكل أعداء أمتنا، أهدافهم.
المعركة اليوم، يتحرك فيها من هذه الأمة أبناؤها الذين يؤمنون بالله، ويثقون به، ويتوكَّلون عليه، ويعتمدون عليه "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويثقون بنصره، الأمة المجاهدة من أبناء أمتنا الإسلامية، التي هي اليوم تخوض المعركة في مواجهة العدو الإسرائيلي وشركائه، هي الأمة التي تثقفت بثقافة القرآن الكريم، فلا تخشى إلَّا الله، ولا ترهب سواه، ولا تكترث، ولا تنحني أمام أي طاغيةٍ في هذا العالم، مهما كان طغيانه، مهما كان إجرامه، مهما كان جبروته {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[التوبة:13]، {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:175]، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173].
في أيام فترة [ترامب] في المرحلة السابقة، في فترة رئاسته لأمريكا، واجهنا العدوان الأمريكي، وشركاء أمريكا الذين اعتدوا على بلدنا، بإمكاناتهم، بأنواع سلاحهم، بمؤامراتهم، بمخططاتهم، ونحن في وضع أضعف مما نحن فيه الآن بكثير، وأصعب مما نحن فيه الآن بكثير، وضعيتنا اليوم وهي كلها بالاعتماد على الله، والرهان عليه، والتوكل عليه، لن نعجب لا بكثرة، ولا بنوعٍ من الإمكانيات أصبح بأيدينا، كل ذلك فاعليته مع التأييد الإلهي، مع المعونة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، مع الرعاية الإلهية.
ولذلك نحن حاضرون في هذه المعركة، مستمرون في مساندة الشعب الفلسطيني، واقفون في هذا الموقف بكل ثبات، سعياً لمرضاة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وثقةً به، وتوكلاً عليه، وثقةً بالنصر الموعود، ونحن مواصلون في التصعيد بكل ما نمتلك، ونسعى- كما قلت مرارا وتكراراً- لما هو أعظم، لما هو أكبر، لما هو أقوى.
فيما يتعلَّق بالتحرك الشعبي: يواصل شعبنا أيضاً حركته، نشاطه، مسيراته، مظاهراته؛ لأن هذا جزءٌ من الموقف، جزءٌ من الجهاد، والحضور في الأسبوع القادم له أهمية كبيرة، يعني: في يوم الغد، الحضور في يوم الغد له أهميةٌ كبيرةٌ جداً، ما بعد نتائج الانتخابات الأمريكية، ليسمع الأمريكي، ليسمع كل طواغيت العالم، ليسمع العدو، وليسمع الصديق، ليسمع كل أولئك الذين ينظرون إلى [ترامب] بإكبار، ويقدِّمونه كبعبع، يحاولون أن يخيفوا الأمة منه، أنَّ شعبنا العزيز بانتمائه الإيماني، بروحيته الإيمانية، بانطلاقته الإيمانية؛ لأنه يمن الإيمان، يمن الحكمة، يمن الجهاد، أحفاد الأنصار، لا يبالي بأي طاغيةٍ في هذا العالم، ولن يتراجع عن موقفه أبداً في نصرة الشعب الفلسطيني ومساندته، مهما كانت التحديات.
شعبنا سيخرج في هذا الأسبوع، في يوم الجمعة غداً إن شاء الله، حضوراً مليونياً، وخروجاً مليونياً كبيراً جداً، يعبِّر عن وفائه، عن ثباته، عن شجاعته، عن وعيه، عن إيمانه، عن صموده، فهو شعب الدين والإيمان، شعب القيم والوفاء، لا يخشى إلَّا الله، وسيتحدى كل الطغاة، تحدى ذلك فيما قد مضى، ويتحدى فيما هو حاضر، ويتحدى في المستقبل كل طغاة هذا العالم، وجبابرته المجرمين.
أدعو شعبنا العزيز (يمن الإيمان والحكمة)، إلى الخروج المليون يوم الغد إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والمديريات، خروجاً مشرِّفاً، متحدياً لكل طواغيت العالم، مؤكِّداً على الوفاء، والثبات، والاستمرار في الموقف المساند للشعب الفلسطيني المظلوم، والمساند للشعب اللبناني، ولمجاهدي فلسطين ولبنان، أننا لن نتركهم لوحدهم أبداً، نقول لهم من جديد: (لستم وحدكم، ومعكم حتى النصر)، واللهُ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيل.
الخروج يوم الغد غزوة من أهم الغزوات في سبيل الله، الخروج في الميادين والساحات خروج مهم، له دلالته، يمثل رسالةً مهمة؛ ولذلك أرجو الاهتمام بذلك.
أَسْأَلُ اللهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْر لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِيّ المَظْلُوم وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، وَلِلشَّعبِ اللُبْنَانِيّ وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، لإِخْوَتِنَا فِي حِزْبِ الله، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛