صنعاء- سبأ: مرزاح العسل
وسط صمتٍ عالميٍ مُخزي وعجز عربي فاضِح.. يواصل جيش العدو الصهيوني حرب الإبادة الجماعية وسياسة التجويع والتهجير ضد الشعب الفلسطيني في غزة، خاصة الأطفال والنساء، بل ويواصل إغلاق جميع المعابر والمنافذ إلى غزة.
فبعد أكثر من عام على بدء حرب الإبادة الصهيونية ضدّ السكان الأبرياء في غزة، يبدو أنّ العالم بدأ يعتاد على مشاهد المجازر والجرائم اليومية، فأصبح يميل للصمت بعد أن كانت المسيرات الاحتجاجية المؤيدة لفلسطين والمُنددة بالعدوان الصهيوني تعمّ أنحاء العالم على مدى عام كامل.
وفي ظل الأزمات التي يعاني منها كيان العدو الصهيوني من هزيمة نكراء في لبنان، وإخفاق مستمر في معارك قطاع غزة، وملاحقة قضائية تمثلت في إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ومرورًا بتحول جارف في الرأي العام العالمي ضد كيان العدو بكل مكوناته، في ظل هذا كله، لا يجد العدو مفرًّا يهرب إليه إلا المزيد من التوحش ضد سكان غزة.
وفي هذا السياق، يقوم العدو الصهيوني بإفراغ جام غضبه باستمرار بالقصف الهمجي الذي يُسفر عن عشرات الشهداء يوميًّا في قطاع غزة، ولا يتوقف الأمر عند كثرة الأعداد، بل أصبح أكثر توحشًا باستخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا ضدهم، والتي تؤدي إلى حرق الأجساد وتبخرها إلى حد التلاشي.
وتؤكد تقارير إعلامية فلسطينية، أن آلاف الشهداء الفلسطينيين قضوا بقنابل لا تُعرف ماهيتها حتى الآن، لكنها تؤدي إلى إذابة الجثث وتبُخرها جراء الحرارة العالية التي تنبعث عند وقوع الانفجار وتحوّل الأجساد الواقعة في "عين الاستهداف" إلى ذرات صغيرة لا تُرى بالعين المجردة تتطاير وتذوب في الهواء والتربة.
وليس غريباً هذا السلوك الصهيوني الإجرامي، على ما يمارسه العدو في حق الشعب الفلسطيني خلال عدوانه الحالي أو حتى في حروب سابقة، فهو لا يتعلق بطبيعة من يواجه العدو، بل يمثل نهجًا متأصلا في العقلية الصهيونية عندما تواجه أيًّا من خصومها.
ففي حروب سابقة خاضها العدو الصهيوني ضد لبنان وقطاع غزة خلال العقدين الماضيين، ظهرت مؤشرات عديدة على استخدامه أنواعًا من الأسلحة المحرمة دوليًّا، كما حدث في أولى حروب العدو ضد قطاع غزة في الفترة ما بين ديسمبر 2008 ويناير 2009؛ حيث تفحمت العديد من الجثث، وقُطعت أطراف الكثيرين بعد إصابتهم بقصف صهيوني، بما يفيد أن الاستهداف كان بأسلحة غير تقليدية.
وبشكل خاص، عادة ما يتم التركيز على القنابل الفسفورية كأداة تستخدمها قوات العدو الصهيوني بكثافة في معاركها الأخيرة، وهي أسلحة حارقة تحتوي على الفسفور الأبيض كحمولة أساسية، جرى تصميمها لتوليد حرارة شديدة تبلغ قرابة 1000 درجة مئوية، إلى جانب قوتها التدميرية.
وفي موازاة الرسائل الدموية التي يوجهها العدو الصهيوني إلى سكان قطاع غزة، في حرب الإبادة المستمرة، والتي فاقمها شح المساعدات الإنسانية والتجويع المتعمد واستهداف العدو للقطاع الصحي، وجه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، المطلوب اعتقاله بموجب مذكرة صادرة عن "محكمة الجنايات الدولية"، رسالة لسكان غزة.. مفادها "عليهم أن يختاروا، بين الموت والحياة".
وقال نتنياهو في اجتماع مجلس الوزراء الصهيوني الأسبوع الماضي: "أناشد سكان غزة.. يمكنكم اختيار الحياة وضمان مستقبلكم ومستقبل عائلاتكم، أو يمكنكم التشبث بالدمار والموت.. القرار لكم.. اختاروا الحياة".. بحسب قوله.
أمّا الموقف العربي الفاضح فلم يكن أحسن حالاً، فقد أصبح العرب عاجزين أمام الغطرسة الصهيونية، وهذا حال الحكومات والأنظمة العربية على وجه الخصوص، كما أصبحت بعض الشعوب العربية في نفس الخانة، تاركة أهل غزة ومقاوميها وحدهم في الميدان لمواجهة مصيرهم.
وتعليقاً على حالة العجز العربي أمام الإبادة الجماعية بغزة، أكد الصحفي الفلسطيني والباحث هشام جعفر في مقال له، أنّ النظام الرسمي العربي لم تعد له هوية واضحة، وأصابه التفتت والانقسام.. قائلاً: إنّ بعض الأنظمة العربية لم تُقصّر في واجب نصرتها للفلسطينيين فحسب؛ بل ساهمت في تقديم الدعم المادي والمعنوي للكيان الصهيوني وبشكل علني.
وعلّل جعفر هذا الموقف الرسمي العربي بأن "تلك الأنظمة قدّمت مصالحها القُطرية والاقتصادية على القِيَم بحجّة الواقعية، وبذلك تقفز فوق تطلعات الجماهير".
وأبرز الباحث الاختلاف الواضح بين موقف الأنظمة العربية من مساندة الفلسطينيين الذي اقتصر على التصريحات والبيانات اللفظية والإغاثة المحدودة، وبين موقف الشعوب العربية التي انحازت في مجملها لدعم ومساندة الفلسطينيين.
في المقابل، رأى جعفر أنّ هناك عجزاً شعبياً عربياً عن نصرة ومساندة فلسطين.. لافتاً إلى أنّ العرب والمسلمين هم أقل المساهمين في نصرة الفلسطينيين، مبرّراً ذلك بموقف الأنظمة التي تحول دون تعبير شعوبها عن مواقفها بحرية.
وأكّد أنّ المواطن العربي يتضامن مع الفلسطينيين ويشُعر بمأساتهم، لكنّ الضغوط الاقتصادية والسياسية تدفع عامّة المجتمع العربي إلى الانصراف إلى توفير الحياة الكريمة لهم ولأسرهم، فضلاً عن أنّ كثيراً من المجتمعات العربية تعاني من صراعات وحروب داخلية تشغلها عن قضية فلسطين.
وعلى الرغم من الصمت العالمي المُخزي تجاه حرب الإبادة الجماعية بحقّ الأبرياء في غزة، فإنّ بعض الدول لم تكتفِ بدور المُشاهد الصامت، بل شاركت بالفعل في دعم العدوان الصهيوني، وعلى رأس هذه الدول بريطانيا، التي كانت الشريك الثالث في العدوان بعد الكيان الصهيوني وراعيته الأولى أمريكا التي أمدّته بالسلاح والذخيرة والغطاء السياسي.
وعلّق المحلل السياسي الفلسطيني فرحان علقم على سؤال: "لماذا يصمت العالم عن الإبادة في غزة؟".. قائلاً: "لأنّ العالم شريك في هذه الجرائم، ويعطي العدو الصهيوني الدعم الذي يحتاجه، من مال وسلاح ورجال وعتاد، ودعم دبلوماسي، وتغطية في المحافل الدولية، وتعمية على هذه الجرائم، ومحاولة سحق الرواية الفلسطينية".. مضيفاً: "لو كان العالم صامتاً لاعتبرناه محايداً".
واتهم علقم كلّاً من الإدارة الأمريكية وأوروبا وأستراليا وكندا بدعم الكيان الصهيوني وإمداده بكلّ أسباب الثبات التي مكنته من مواصلة عدوانه على الشعب الفلسطيني.
وأصدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بياناً حذّر فيه من خطورة الحملة الصهيونية الأخيرة على شمال قطاع غزة.. مشدداً على أنّها تهدف إلى تفريغ شمال غزة بالرغم من إنكار العدو الصهيوني الرسمي لذلك، واستشهد البيان بإلقاء جيش العدو منشورات تطالب بإخلاء مراكز الإيواء في جباليا وبيت حانون وتوجه من فيها إلى الجنوب.
وانتقد المرصد حالة الصمت والعجز الدوليين رغم التحذيرات الصارخة من أنّ "كامل السكان الفلسطينيين في شمال غزة على شفا الموت بسبب الأمراض والجوع والعنف".. لافتاً إلى أنّ الوضع في شمال القطاع بات كارثياً، حيث يعيش الناس أهوالاً كأهوال يوم القيامة، وفقا لوصف كبار مسؤولي الأمم المتحدة.
ودعا المحكمة الجنائية الدولية إلى الاضطلاع بمسؤولياتها، والتحرك من دائرة الصمت إلى مرحلة إصدار أوامر بالقبض والمساءلة والمحاسبة، وذلك بشأن الجرائم الصهيونية التي تدخل جميعها ضمن اختصاصها.
وطالب المرصد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل الفوري لإنقاذ مئات الآلاف من سكان شمال غزة، ووقف جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني للعام الثاني على التوالي، وفرض حظر أسلحة شامل عليه، ومساءلته ومعاقبته على كافة جرائمه، واتخاذ كافة التدابير الفعلية لحماية المدنيين الفلسطينيين.
وفي وقت سابق طالبت حركة المقاومة الإسلامية حماس المجتمع الدولي والأمم المتحدة، والحكومات العربية والإسلامية، بكسر حالة العجز والصمت أمام الجرائم التي يركبها العدو الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة.
وناشدت حماس في بيان لها العالم بسرعة التحرك لوقف المجازر المتواصلة التي يرتكبها العدو الصهيوني في قطاع غزة.. مؤكدة أنّ "تواصل المجازر الوحشية وحرب الإبادة وحرب التجويع، التي تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته الوطنية، لن تفلح في تحقيق أهدافها أو كسر إرادته".
وكان المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، قد أعلن نهاية الأسبوع المنصرم، أن الفلسطينيين في القطاع وصلوا مرحلة كارثية من الجوع والمعاناة المتفاقمة في ظل حرب الإبادة الصهيونية المستمرة منذ أكثر من عام.
وقال المكتب في بيان له: إن "شعبنا الفلسطيني وصل إلى مرحلة متأزمة على الصعيد الإنساني، فالأزمات تتوالى عليه بدون حلول".. مؤكدا أن الوضع يقترب من الكارثة أكثر من أي وقت مضى.
الجدير ذكره أنه في ظل الحماية التي توفرها الإدارة الأمريكية لكيان العدو الصهيوني وقياداته، وكذلك الدعم العسكري والاستخباراتي، في حروبه ضد غزة ولبنان، لا يجد العدو غضاضة في الاستمرار بإمعان الفتك بأعدائه والانتقام منهم بكل ما يتوفر لديه من أسلحة دمار وحرق وإذابة للأجساد، لا سيما وأن الظهير العربي الذي يقع على عاتقه لجم تلك الممارسات أو الحدّ منها، لم يكتف فقط بالصمت والخذلان، بل أضاف إلى ذلك مزيدًا من التعاون السياسي والاقتصادي مع عدوٍّ يمارس وحشيته وساديته بكل طمأنينة على أهل غزة، في ظل هذا التواطؤ والصمت العربي والدولي.