عواصم – سبأ : محفوظ الفلاحي
على مدى ثلاثة عقود، حافظ وقف إطلاق النار الذي تراقبه الأمم المتحدة على سلام يكاد يكون هشاً في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها وهي منطقة شاسعة تقع شمال غربي افريقيا ومساحتها حوالي 266 ألف كيلومتر مربع.
ويعدّ نزاع الصحراء الغربية أحد النزاعات التي تعقّد الوصول إلى حل فيها، وبعد مرور 45 عاماً على اشتعاله، لا يبدوا أن هناك حل قريب المنال، خصوصاً بعد عودة الاشتباكات بين المغرب وجبهة البوليساريو.
نزاع قديم
يمثل النزاع بشأن الصحراء الغربية، واحداً من أقدم النزاعات في القارة الأفريقية، وكان قد بدأ فعلياً عام 1975، عندما وقعت إسبانيا قبل رحيلها من الصحراء الغربية، اتفاقية مدريد مع كل من المغرب وموريتانيا، والتي اقتسم بموجبها البلدان الجاران الصحراء، لكن الصحراويين المسلحين الذين أسسوا جبهة البوليساريو، رفضوا الاتفاقية وواصلوا مطالبتهم بالانفصال.
وتشير التقديرات إلى أن عدد السكان حوالي نصف مليون يتوزعون على المدن الرئيسية في المنطقة، التي خضعت للاستعمار الإسباني في الفترة الممتدة من 1884م إلى 1976م، وبعد خروجه تنازع السيادة عليها المغرب وجبهة البوليساريو.
فك الارتباط
صعدت الجبهة من وتيرة عملياتها وقامت بالتحريض على المظاهرات المطالبة بفك الارتباط (الاستقلال)، بينما اتجه المغرب وموريتانيا إلى محكمة العدل الدولية.
وفي 16 أكتوبر 1975م، أعلن المغرب تنظيمه "المسيرة الخضراء" باتجاه منطقة الصحراء، وفي يناير 1976 تم الإعلان عن قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" بدعم من الجزائر.
وفي ثمانينيات القرن الماضي أقام المغرب حاجزاً رمليا حول مدن السمارة والعيون وبوجدور لعزل المناطق الصحراوية الغنية بالفوسفات والمدن الصحراوية الأساسية، وجعل هذا الجدار أهم الأراضي الصحراوية في مأمن من هجمات البوليساريو.
وتصاعد التوتر في المنطقة منذ عام 2016م وحذرت الجبهة من أن انتشار القوات المغربية سيهدد الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة عام 1991م.
بداية النزاع
بدأ النزاع فعلياً عام 1975، عندما وقعت إسبانيا قبل رحيلها من الصحراء الغربية، مع المغرب وموريتانيا اتفاقية مدريد التي اقتسم على إثرها الجاران الإفريقيان الصحراء، لكن الصحراويين المسلحين الذين أسسوا قبل ذلك جبهة البوليساريو، وهو اختصار بالإسبانية للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، رفضوا الاتفاقية ويطالبون إلى الآن بانفصال الصحراء الغربية.
دخلت البوليساريو في نزاع مسلح مع المغرب وموريتانيا، لكن هذه الأخيرة انسحبت من جنوب الصحراء الغربية ووقعت عام 1979م اتفاق سلام مع "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" التي تعلنها البوليساريو من جانب واحد.
وتأزم الموقف بعد نشر المغرب مهندسين عسكريين لتوسيع شبكته من الجدران الدفاعية لتشمل آخر امتداد من الطريق عبر الصحراء إلى موريتانيا المجاورة.
وتقطعت السبل بالعشرات من سائقي الشاحنات لعدة أيام في منطقة الكركرات، وهي آخر محطة يسيطر عليها المغرب حاليا على الطريق المتجه إلى المنطقة العازلة التي تحرسها قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (مينورسو)، حيث حافظت البوليساريو على وجودها هناك.
عادت أزمة الصحراء الغربية إلى الواجهة بما تحمله من خلافات بين المغرب والجزائر، بعد التوتر الذي شهده معبر الكركرات الحدودي، إثر عملية عسكرية قامت بها الرباط لـ"تأمين المعبر" الذي يقع في منطقة عازلة على حدود موريتانيا.
خلاف المغرب والجزائر حول النزاع الدائر في الصحراء الغربية ينذر بمزيد من التأزم في العلاقات بين البلدين الجارين.
فالجزائر تعترف بالـ"جمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد في الصحراء، في حين تقترح الرباط منح الصحراويين حكما ذاتيا تحت سيادتها.
ينذر خلاف حول الصحراء الغربية بتفجر جولة جديدة من الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تسعى للاستقلال.
وأعلنت جبهة البوليساريو في 13 نوفمبر الجاري انتهاء وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل له برعاية من الأمم المتحدة قبل ما يناهز 30 عاماً، وذلك إثر عملية عسكرية أطلقها المغرب في منطقة الكركرات العازلة لإعادة فتح الطريق المؤدي لموريتانيا المجاورة بعد إقفاله.
تحكيم دولي
أقرت محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 1975م وجود روابط بين الصحراء الغربية أثناء خضوعها للاستعمار وللمغرب وموريتانيا، لكن المحكمة اعتبرت هذه الروابط غير وثيقة ولا تصل إلى السيادة.
وبعد 16 سنة من الحرب دخل اتفاق لوقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 1991م، لكن المغرب استطاع أن يسيطر على 80 بالمئة من أراضي الصحراء، وتعتبر الصحراء الغربية المنطقة الوحيدة في إفريقيا التي لم يحسم بعد مصيرها خلال الفترة ما بعد الاستعمارية.
دور أممي
في غياب حل نهائي، تصنف الأمم المتحدة الصحراء الغربية في قائمة "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، وتراقب بعثة الأمم المتحدة (مينورسو) احترام اتفاق وقف إطلاق النار من خلال دوريات برية وجوية، كما تدور مفاوضات أممية منذ مدة حول النزاع، لكن ومنذ استقالة المبعوث الأممي هورست كولر في مايو 2019م لأسباب صحية، لم تنجح الأمم المتحدة حتى الآن في إيجاد خلف له.
تاريخ الأحداث
· 1975م بدأت المشاكل السياسية تظهر بشكل أكبر في الصحراء الغربية، فبعد اتفاقية مدريد التي وقعها كل من إسبانيا والمغرب وموريتانيا، لإنهاء الاستعمار الإسباني في الصحراء الغربية، والتي تم بموجبها تقسيم الصحراء الغربية إلى منطقتين: الأقاليم الجنوبية تحت حكم المغرب، وتيرس الغربية تحت حكم موريتانيا.
· 1976م أعلنت إسبانيا رسمياً انسحابها الكامل من الصحراء الغربية، وبعد الخروج الرسمي لإسبانيا، أعلنت جبهة البوليساريو قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وشنت حرب عصابات ضد كل من المغرب وموريتانيا.
· 1979م لم تستطع موريتانيا الاستمرار في مواجهة البوليساريو بسبب ضعف جيشها وأيضاً لأسباب سياسية، وأعلنت موريتانيا عن تخليها عن مطالبها في الصحراء الغربية، وبعد انسحابها، قام المغرب على الفور بضم أراضي الصحراء الغربية التي كانت تحكمها موريتانيا وغادرتها وهي أراضي التيريس الغربية، وهو الاسم الذي يطلق على النصف الجنوبي من وادي الذهب.
· 1980م بدأ المغرب ببناء الجدار الرملي، وهو جدار يفصل بين الأقاليم الجنوبية المغربية وبين المنطقة الحرة الخاضعة لسيطرة البوليساريو، وتتمثل مهمة الجدار في إيقاف الهجمات التي كانت تشنها البوليساريو على المغرب، وقد وانتهى بناء هذا الجدار في سنة 1987.
· 1991م تم إنشاء بعثة المينورسو التابعة للأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو، وكذلك لإجراء استفتاء لتقرير الوضع النهائي للصحراء الغربية بين الانضمام للمغرب أو الانفصال عنه، لكن هذا الاستفتاء لم يتم بسبب الخلاف حول العدد الحقيقي للسكان الذين يحق لهم التصويت.
· 2006م أعلن الملك محمد السادس عن إحداث المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، وتتمثل صلاحيات هذا المجلس في إبداء الرأي فيما يستشيره الملك من قضايا عامة أو خاصة ذات الصلة بالتنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية.
· 2000م نوقشت خطة بيكر من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ووفقا لخطة بيكر فإن قاطني الصحراء هم مهاجرين ومواطنين مغاربة ضمهم المغرب لتلك المنطقة (يُنظر إليهم من قبل البوليساريو كمستوطنون أما المغرب فيعتبرهم سُكاناً شرعيين) وقد منحتهم خطة بيكر حق التصويت في الاستفتاء لكن جبهة البوليساريو رفضت هذا الأمر بشكل تام.
· 2003م تم اقتراح نسخة جديدة من الخطة أطلق عليها اسم خطة بيكر الثانية، مع بعض الإضافات والتعديلات، إلا أن المغرب رفضها. وفي سنة 2004، استقال جيمس بيكر من منصبه في الأمم المتحدة وصرح قائلاً: «إنني لا أظن أن هناك حل لهذه الأزمة».
· 2005م نشر الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان تقريرا أكد فيه زيادة النشاط العسكري من جانب جبهة البوليساريو التي اتهمها بخروقات عدة خاصة فيما يتعلق بوقف إطلاق النار كما اتهم المغرب بزيادة التحصينات العسكرية ورفع درجة التأهب لمستوى كبير.
· 2007م قدم المغرب في الأمم المتحدة نص المبادرة المغربية القاضية بمنح الصحراء الغربية حكما ذاتيا في إطار السيادة الوطنية.
· 2010م قامت مجموعة من ساكنة مدينة العيون بنصب عدد من الخيام بمنطقة أكديم إزيك من أجل الضغط على السلطات المحلية للاستجابة لمجموعة من المطالب الاجتماعية كتوفير مناصب الشغل للعاطلين عن العمل وتوفير السكن وتقديم الدعم الاجتماعي، غير أن هذه المطالب تم استغلالها سياسياً من طرف مجموعات ذات ارتباطات بالبوليساريو، والتي ناورت على إبقاء مخيم إكديم إزيك وتأجيج الوضع وتعطيل أي حل لهذا الملف وتم استغلال هذا الملف سياسياً للترويج لفكرة استقلال الصحراء الغربية عن المغرب، مما أجبر السلطات المحلية على التدخل لتفكيك هذا المخيم، وهو الأمر الذي نتج عنه مواجهات دامية ومقتل عناصر من القوات العمومية وخسائر مادية.
· 2016م أعلن المغرب عن طرد 84 موظف من بعثة المينورسو التابعة للأمم المتحدة وذلك بعد أن تبين له بأن عناصر من هذه البعثة قاموا بإجراء العديد من اللقاءات مع عناصر لديهم وجهة نظر معادية للطرح المغربي، بالإضافة إلى التعبير عن مواقف وتصريحات تضرب مبدأ الحياد المفترض في الموظفين الأمميين.
· ازداد توتر العلاقات بين المغرب وبعثة المينورسو بعد أن صرح الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون في مؤتمر مدعيا أن ضم المغرب للصحراء الغربية هو بمثابة "احتلال لدولة ذات سيادة".
· 2017م عرفت منطقة الكركرات تصعيداً عسكرياً قوياً بين المغرب والبوليساريو، وصل حد التلويح بإمكانية خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وعودة الطرفين إلى الاشتباكات المسلحة، وقد جاء هذا التصعيد بعد أن قرر المغرب تعبيد الطريق بين المركز الحدودي الكركرات والمركز الحدودي الموريتاني، وهو الأمر الذي احتجت عليه البوليساريو، ورد عليها المغرب بأن نشاطه في الكركرات يأتي لمحاربة التجارة غير المشروعة وأنه يحترم قرار وقف إطلاق النار، وقد تدخلت قوات المينورسو لأجل الحيلولة دون اندلاع اشتباكات بين الطرفين، وبعد المفاوضات مع المينورسو قام المغرب بسحب قواته، ثم تبعته البوليساريو وسحبت قواتها، وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش عن قلقه إزاء تزايد التوترات في محيط الكركرات، داعيا المغرب وجبهة البوليساريو إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب تصعيد التوترات.
· أكتوبر 2020م، مسلحو جبهة البوليساريو تدخل منطقة الكركرات وتنفذ "أعمال قطع طرق هناك، وعرقلت حركة الأشخاص والبضائع على هذا الطريق، واستمرت في مضايقة المراقبين العسكريين".
· 13 نوفمبر 2020م، القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية تعلن عن إقامة حزام أمني لتأمين تدفق السلع والأفراد عبر المنطقة العازلة للكركرات، التي تربط المغرب بموريتانيا، في خطوة اعتبرتها جبهة البوليساريو "نهاية" لاتفاق وقف إطلاق النار و"بداية" للحرب.
· نوفمبر 2020م، الملك محمد السادس يجدد في اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "تشبث المغرب الراسخ بوقف إطلاق النار، وبالحزم ذاته، تظل المملكة عازمة تمام العزم على الرد، بأكبر قدر من الصرامة، وفي إطار الدفاع الشرعي، على أي تهديد لأمنها".
· 18 نوفمبر 2020م، الأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي يقول إن "الجمهورية الصحراوية" لم تكن ترغب في "إراقة الدماء" لكن المغرب فرض عليها ذلك، وأن "الشعب الصحراوي في حرب، وسيواصل الكفاح حتى يوم النصر"، بحسب وصفه، وأن على المغرب "دفع الثمن، متهما إياه بـ"خرق" اتفاقيات السلام، وأن "الموقف الأممي متذبذب، والمجتمع الدولي مطالب بالتحرك"، وأن الجزائر تقف إلى جانب الشعب الصحراوي.
ختاماً
بعد إعلان رئيس "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، والأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي الانسحاب من اتفاقية الهدنة مع المغرب، الموقعة في العام 1991، ثمة خطر في أن لا تتوقف الحرب عند حدود الصحراء الغربية، إنما قد تمتد إلى الجزائر.
وتقر الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم دول أوروبا والعالم العربي بحق المغرب في الصحراء الغربية ، فيما تعد روسيا وألمانيا ومعظم الدول الإفريقية والجزائر أن هذه المنطقة ما زالت تحت الاستعمار ، ولم يتقرر مستقبلها بعد ، ومع ذلك، فقد اعترفت 84 دولة عمليا بالجمهورية الصحراوية بحكم الأمر الواقع.