صنعاء - سبأ :
[30/ سبتمبر/2017]
دعا قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الشعب اليمني إلى رفد الجبهات والعناية بكل ما من شأنه تعزيز موقفه للتصدي للعدوان السعودي الأمريكي.
وحذر السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في كلمة بمناسبة ذكرى عاشوراء من مساعي قوى العدوان لتخريب السلم الإجتماعي وإثارة الفتن وإلهاء الجميع عن التصدي للخطر الحقيقي المتمثل بما تفعله وما تهدف إليه قوى العدوان بحق الشعب اليمني.
فيما يلي نص الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز، أمتنا الإسلامية كافة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعظَّم الله لنا ولكم الأجر في ذكرى مصاب سيد الشهداء، سبط رسول الله محمد، الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وبن فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أيها الإخوة الأعزاء، هذا اليوم العظيم الذي هو بقدر ما يذكرنا بفاجعة كبرى في تاريخ أمتنا وأيضا يشدنا نحو المدرسة الإسلامية الأصيلة التي حفظت للإسلام أصالته، وحفظت للحق امتداده عبر الأجيال.
إن الإمام الحسين بن علي عليهما السلام في موقفه وفي ثورته، حينما تحرك كان كما قال عليه السلام: (إني لم أخرج أشِرا ولا بَطِرا ولا متكبرا ولا ظالما، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)، إن الإمام الحسين عليه السلام من موقعه العظيم، وفي دوره المهم في هذه الأمة، حدد الموقف المسؤول التاريخي الذي يبقى منارا للأمة في كل مراحل التاريخ، الإمام الحسين عليه السلام لم يكن مجرد ثائر عادي، له مطالب محدودة، تحرك من أجلها في الساحة وله اعتبارات حقوقية ومطالب حقوقية معينة تحرك من أجلها، الإمام الحسين عليه السلام أولا باعتبار مقامه الإيماني العظيم، وهو في عصره وفي مرحلة ثورته البقية الباقية من أهل بيت النبوة الذين قال عنهم رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، الإمام الحسين عليه السلام من هذا الموقع في هذا الدور، في ظل هذا الدور المسؤول، من موقع الهداية وموقع القدوة، موقع الهداية باعتباره البقية الباقية من آل بيت رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، في الموقع الذي تتطلع إليه الأمة ليحدد لها مواقفها المسؤولة المنبثقة عن أصالة الإسلام وعن مبادئ الإسلام، وعن قيم الإسلام، الإمام الحسين عليه السلام من هذا الموقع الذي حدده النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله حينما قال: (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط)، الحسين عليه السلام في ظل هذا الدور الذي يمثل فيه امتداد الرسالة الإسلامية، القيام مقام رسول الله محمد خاتم النبيين صلوات الله عليه وعلى آله، وريثا له في موقع القدوة والهداية للأمة، ليتخذ الموقف الذي يعبر عن الإسلام في أصالته وفي مبادئه وفي قيمه وفي شرعه.
الإمام الحسين عليه السلام تحرك من هذا الموقع وضمن هذا الدور الذي أقام فيه الحجة على الأمة كافة، ورسم لها الموقف المسؤول الذي لا مناص عنه، الذي تفرضه المسؤولية بكل ما تعنيه الكلمة، والإمام الحسين عليه السلام من مقامه الإيماني والأخلاقي العظيم فيما هو عليه من كمال الإيمان، من التمَثُّل الحق لمبادئ الإسلام وأخلاق الإسلام، وقيم الإسلام، الإمام الحسين عليه السلام الذي بلغ أرقى درجات الإيمان وكماله فيما عبر عنه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم حينما قال عنه وعن أخيه الحسن عليهما السلام: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، هذه العبارات المهمة التي أطلقها النبي صلوات الله عليه وعلى آله والتي يتجلى لنا من خلالها المقام الإيماني العظيم الذي وصلا إليه، لأن هذه العبارات ليست مجرد عبارات تشريفية، وتشجيعية، بل تعبر عن مضمون حق، تعبر عن كمال الإيمان الذي وصلا إليه في كل ما كان عليه الإمام الحسين عليه السلام في إيمانه في روحيته الإيمانية، في مبادئه الإيمانية، في قيمه الإيمانية، فيما كان عليه من معرفة بهذا الإسلام في تعاليمه وفي شريعته وفي أحكامه، في حرامه وفي حلاله، اتخذ الموقف أيضا، فهو موقف مسؤول صادر عن مقامه في الهداية ومسؤوليته في هداية الأمة ومسؤوليته وموقعه في الإيمان، الإمام الحسين عليه السلام هكذا تحرك تحركا مسؤولا، منبثقا عن الإسلام، معبرا عن الإسلام، موقف يفرضه الإسلام ويحدده الإسلام، والإمام الحسين عليه السلام حينما تحرك تحرك في ثورة خالدة لكل الأجيال تمتد عبر الزمن إلى يوم القيامة لتستفيد منها الأمة في كل مراحلها في مواجهة تلك الحالة التي واجهها الإمام الحسين عليه السلام وضمن ذلك الخيار الذي اتخذه الإمام الحسين عليه السلام.
الإمام الحسين عليه السلام حدد الموقف المسؤول بكل ما تعنيه الكلمة، موقف ليس متهورا، وليس عبثيا وليس انتحاريا، لا، هو موقف مسؤول، مسؤول بكل ما تعنيه الكلمة، فرضه الله سبحانه وتعالى، ويحدده الإسلام، ثم هو أيضا موقف واعي، هو نتاج لوعي حقيقي بحتمية ذلك الموقف، ووعي بالبدائل التي يمكن أن تحدث لو لم يُتخذ ذلك الموقف، وهي بدائل فظيعة جدا، الإمام الحسين عليه السلام حدد الموقف وحدد الخيار وقدم هو فعليا، قدم الدرس وتحمل المسؤولية، ولم يكن فقط مجرد مفتٍ أصدر فتوى وأطلقها، بل كان هو في طليعة هذا الموقف، متحملا للمسؤولية بكل ما تعنيه الكلمة، هو متحرك بنفسه، وقدم هو بنفسه أعظم درس للأمة.
الإمام الحسين عليه السلام حدد لنا في كل مراحل التاريخ الموقف الشرعي، والموقف المسؤول والموقف المبدئي والموقف الأخلاقي حينما نواجه حالة من تلك الحالات التي فرضت عليه أن يتحمل مسؤوليته وأن يتحرك تحركه، أولا حينما يصل إلى موقع السلطة والحكم على رقاب الأمة طاغية ظالم مستكبر غشوم، لا يحرم حرام الله ولا يحل حلاله، لا ينضبط لمبادئ الإسلام ولا لقيم الإسلام ولا لأخلاق الإسلام، يستهتر بالأمة ويستبيح كل شيء ويجعل من موقعه في السلطة والحكم واقتدار الدولة فرصة لممارسة جبروته وظلمه وطغيانه وأهوائه ونزواته على رقاب الأمة وفي مقدرات الأمة، مثل هذا النوع من الحكام المتسلطين والجبابرة الطغاة لا يجوز للأمة أن تسكت عنهم، ولا أن تحكمهم في رقابها وفي مقدراتها، ولا أن تذعن لهم وتستكين لهم ليمارسوا بها وفيها هوايتهم من الظلم والجبروت والطغيان والعبث والنهب والسلب، فيعبثوا بالأمة ويحولوا حياتها إلى جحيم، فتتحول الساحة الإسلامية التي يفترض لها الإسلام أن تكون ساحة العدل وساحة الحق وأن تقدم النموذج أمام بقية العالم لإقامة الحق، في الالتزام بالمبادئ، في التخلق بأخلاق الإسلام، في إقامة الحق والعدل في الحياة تتحول إلى ساحة للمنكر وواحة للظالمين وساحة للجريمة وتتحول الأمة التي أراد الله لها في إسلامها أن تعتز بهذا الإسلام وأن تنعم بعدل هذا الإسلام وأن تتخلق بأخلاق هذا الإسلام، تتحول إلى أمة مقهورة مستعبدة، مظلومة، مستباحة، لا عز فيها ولا كرامة، ولا عدل فيها ولا خير، المسألة كارثية تمثل انقلابا على أهم قيم الإسلام وأعظم مبادئ الإسلام، وحالة لا يرتضيها الإسلام أبدا مهما كان الثمن في سبيل مواجهتها والتصدي لها والحيلولة دونها، هذه الحالة التي عبر عنها رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وتحدث عنها الإمام الحسين عليه السلام في إحدى وقفاته الشهيرة وخطاباته العظيمة حينما قال عليه السلام: (أيها الناس، إن رسول الله قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يُدخله مُدخله)، هنا يقدم الإمام الحسين عليه السلام فيما رواه عن جده رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله، هذا الموقف المبدئي الإسلامي الذي هو نابع من أصالة الإسلام والذي يفرض علينا كأمة إسلامية أن نتبنى موقف التغيير والموقف المناهض لهيمنة هذا النوع، وهذا النموذج من الطغيان والتسلط، السلطان الجائر الظالم الذي لا يلتزم بالعدل ولا يريد الحق، والذي ينزو عن الأمة برغباته وأهوائه ويتحكم في رقاب الأمة، ليس لديه أي انضباط لا بمبادئ هذه الأمة في قيمها وإسلامها، ولا في أخلاقها ولا في شريعتها ولا في حرامها ولا في حلالها، يتحرك وفق مزاجه وأهوائه ورغباته وأطماعه، يمارس الظلم والجبروت ولا يكترث لأي شيء، ولا يبالي بأي شيء، هذه النماذج التي نراها في عصرنا هذا ماثلة أمامنا في كثير من الحكام في منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي، هذا النوع من الجائرين المتسلطين العاملين في عباد الله بالإثم والعدوان، وبكل بساطة، وليس عندهم أي تقيد ولا احترام لحرم الله، يستبيحون سفك الدماء، حتى الأطفال والنساء يقتلونهم بغير حساب، وبدون أي اكتراث ولا مبالة، يتسلطون على الأمة من أجل تعزيز نفوذهم وسلطتهم ويتحكمون في رقاب الأمة وفق رغباتهم، كل حساباتهم وكل رغباتهم تعتمد على أهوائهم فيما يرون فيه إما تعزيزا لسلطتهم وهيمنتهم وإما حفاظا على كراسي سلطتهم، ليس عندهم أي اعتبارات ولا اكتراث، لا بمبادئ ولا بقيم ولا بأخلاق ولا بشرع ولا بحرام ولا بحلال ولا بأي شيء من هذا.
هذا النوع من الجائرين، يجب على الأمة كمسؤولية دينية، وليس مجرد مطالب عادية يمكن أن تتبناها جماهير الأمة كحالة سياسية اعتيادية قابلة للأخذ والرد والتنازل والتكاسل عن الإصرار عن الوصول إلى تحقيقها، لا، بل هي مبدأ إسلامي وطريقة دينية أهميتها لهذه الدرجة، أن من لا يتحمل هذه المسؤولية ولا يتحرك ضمن هذه المسؤولية فإن موقفه عند الله كما قال رسول الله وعبر عنه في هذا النص محسوب لصالح أولئك الجائرين، محسوب لصالح أولئك المستكبرين وبالتالي مصيره مصيرهم، ولهذا قال: (فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يُدخله مُدخله)، ثم الحالة الأخرى أيضا التي يتحتم علينا فيها الموقف الحسيني الإسلامي الأخلاقي المبدئي الشرعي الذي لا مناص عنه إلا في التنازل عن المبادئ والانسلاخ من القيم والتنكر لجوهر الإسلام وحقائق الإسلام، حينما تكون الأمة بين خيارين، إما خيار الإذلال والاستعباد والهيانة والإذعان للمجرمين وتسليم رقابها لعَبَدِ الطغاة والمتسلطين، وإما العزة مع التضحية، مع الثبات مع القتال، مع الحرب، حينما تواجه الأمة هذه الحالة، هذين الخيارين يتحتم عليها أيضا الموقف الذي حدده الإمام الحسين عليه السلام، من أعظم قيم الإسلام ومن أهم ما في الإسلام ومن المبادئ الرئيسية في الإسلام، أن لا نقبل بالعبودية إلا لله، أن لا نقبل نهائيا لأي طاغية في هذه الدنيا، لو كان بيده ما كان من الإمكانات والمال واقتدار السلطة، أن لا نقبل أبدا بأن يستعبدنا، أي أحد في هذا العالم إلا الله سبحانه وتعالى، نحن الأمة التي عنوان دينها وعنوان هويتها وعنوان دينها وشرعها، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، هذا المبدأ الذي يحتم علينا أن لا نقبل بأي أحد أن يستعبدنا أبدا، فحينما نرى طواغيت العصر في زماننا هذا، نرى قوى الطاغوت المستكبرة من الكافرين والمنافقين وهم بالجبروت، بالنار والحديد، بالعدوان، بالحروب بالفتن، بالحصار يسعون لاستخدام كل وسيلة قذرة إلى إخضاعنا ليستعبدونا لنخضع لهم الخضوع المطلق، لنحكمهم في كل شؤون حياتنا، لنسلمهم واقعنا بكله، فيحكموا فيه بما شاءوا وأرادوا، ويفعلوا بنا ما يشاءون ويريدون، ويفرضون علينا ما يرغبوا بأن يفرضوه بحسب مزاجهم بحسب أهوائهم، بحسب رغباتهم، بحسب مصالحهم، بحسب أطماعهم، بحسب اعتباراتهم وميولهم الشيطانية والإجرامية، هذه الحالة خطرة، هذه الحالة لو قبلنا بها، ولو أذعنا لهم ولو أسلمنا رقابنا لهم، لو خضعنا لهم، لو استسلمنا لهم، لو حكمناهم في رقابنا ودمائنا وحياتنا وشؤوننا لكنا بذلك اتخذناهم أندادا من دون الله، لكان ذلك خللا رئيسيا وكبيرا في ديننا وأخلاقنا، ولكان على حساب مبادئنا، ولكان انتقاصا في إيمانا، لكنا حين ذلك أمة بلا أخلاق، أمة بلا مبادئ، أمة بلا قيم، أمة أُصيبت بالوهن، وأمة ذليلة.
الإمام الحسين عليه السلام علمنا أنه حينما نُخير بين العز وبين الذل ونُخير بين الحرية والاستعباد والقهر، أن نقول كما قال: (هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون)، هيهات منا الذلة، أن نقول، لا والله، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد، هذه المقولة العظيمة التاريخية أطلقها من منبعها الإيماني ومن مصدرها القرآني، الإمام الحسين قال، يأبى الله لنا ذلك، لم تكن فقط مجرد مقولة أطلقها في حالة ثورة، أو مقولة انفعالية، إنها مقولة ناشئة عن مبدأ ومن منطلق ديني وإيماني وحق، لم تكن حالة انفعال عبَّر فيها هذا التعبير، يأبى الله لنا ذلك، إن الله لا يقبل لنا بأن نقبل لأنفسنا أو أن نرضى لأنفسنا بالذلة وأن نقبل لأنفسنا بالهوان، وأن نقبل بالاستعباد، لا والله، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أُقر إقرار العبيد، ونجد أنفسنا اليوم وأمتنا تواجه كلا الحالتين، تواجه الكثير من الحكام المتسلطين الجائرين الظالمين الذين يستبيحون الحرم، لا يحرمون الحرام ولا يُحلون الحلال، من العاملين في عباد الله بالإثم والعدوان، والذين هم أيضا يمارسون مع الأمة ويفرضون عليها هذين الخيارين إما السلة وإما الذلة، إما القتال والحصار والعدوان والحرب والقتل والقتال والأوبئة والفقر، وإما الاستعباد والإذلال والهوان، وبالتالي يلحق به كل ذلك، يعني حتى لو قبلت الأمة على نفسها بالذلة، قبلت بالهوان واستسلمت ورضخت وأذعنت وخنعت لأولئك الطغاة لأولئك المستكبرين كان سيحصل ما هو أسوأ، يتمكنون بأكثر، بأكثر مما يمكن أن ينالوه من الأمة وهي في حال عزتها وصمودها وثباتها واستبسالها ومواجهتها لعدوانهم ولظلمهم ولجورهم ولطغيانهم ولاستكبارهم، هم لو تمكنوا من رقاب الأمة بخنوع الأمة لهم لفعلوا بها الأفاعيل بأفظع مما ينالوه منها في حال الصمود والثبات، ولذلك نحن اليوم في أمس الحاجة في هذا الزمن إلى أن نستفيد من الإمام الحسين عليه السلام علم الهداية، إلى أن نتطلع إليه في موقعه العظيم، موقع القدوة، وموقع الهداية، نهتدي به، ونقتدي به، فهو وثق لنا بقوله وبفعله وبتضحيته وبصموده، بما قال وبما فعل، وثّق لنا ونقل لنا وجسّد لنا الموقف المعبّر عن الإسلام في أصالته، في مبادئه، في قيمه، في أخلاقه، وهذه المسألة التي يجب أن نعيها وأن نستوعبها جيدا، لماذا؟ لأن الكثير اليوم تغيرت منطلقاتهم، واختلفت حساباتهم وتوجهاتهم، وفي ظل المحنة التي تعاني منها أمتنا، شعبنا هنا في اليمن وهو يواجه هذا العدوان الأمريكي السعودي الغاشم، والكثير من أبناء أمتنا في بقية بلدان المنطقة، الكثير ينطلقون في تحديد خياراتهم، وتحديد مواقفهم، بناء على منطلقات أخرى، وكأن المسألة لا علاقة لها لا بالإسلام ولا بالقيم ولا بالمبادئ ولا بالحساب ولا بالجزاء ولا بالجنة ولا بالنار، كأن المسألة عادية، تُجرد المواقف وتُفصل الأحداث عن كل شيء، وليس كأن الأمة معنية لا بقيم، ولا بأخلاق، ولا بمسؤولية، فتراعي موقفا مسؤولا، موقفا واعيا، وموقفا يلحظ ويأخذ بعين الاعتبار انتماء هذه الأمة، وهوية هذه الأمة، الكثر ينسى كل هذا.
ثم إما تطغى المخاوف على البعض، فتجد كثيرا من أبناء الأمة على هذا النحو، يعيشون حالة المخاوف للطغاة والمستكبرين والظالمين، ومخاوفهم هذه تدفعهم نحو الذل، نحو الخنوع، نحو الاستسلام، نحو الطاعة المطلقة للمستكبرين والطغاة، من منافقي هذه الأمة ومن أعدائها من الكافرين، فيتخذون هذا الخيار، خيار الاستسلام، إما ضمن الالتحاق بصف الطغاة، والانضواء تحت رايتهم، بأي شكل من الأشكال، عسكريا أو إعلاميا، أو ثقافيا، أو في أي مجال من المجالات، وإما بالاستسلام والسكوت، والخذلان، وهذه الحالة محسوبة أيضا، محسوبة في الإسلام كما قال الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، لصالح المستكبرين، لصالح الطغاة، السكوت عنهم، والاستسلام لهم بالسكوت، ولو لم تقاتل معهم، ولو لم تتحرك معهم، لكنك استسلمت لهم، وسكت عنهم، ولم تتبنَّ أي موقف، وبقيت ساكتا، خاضعا، مذعنا لهم، مستكينا، ذليلا، خانعا، هذه الحالة محسوبة عليك، وعليك فيها مسؤولية أنك لم تتحرك للتغيير، (فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله) هذه هي النتيجة، (كان حقا على الله)، يعني مسؤولية إلهية أن يدخلك الله مدخلهم، لأن فعلك كان لصالحهم، وهم استفادوا من سكوتك ومن خذلانك، وخذلانك كان بالتالي لصالحهم، فاليوم، نجد الذين تطغى عليهم المخاوف فيتخذوا مثل هذا الخيار، أو يطغى عليهم الطمع، ويستأسرهم الطمع، فيبيعوا أنفسهم ويبيعوا مواقفهم؟
اليوم البعض مواقفهم نقدية، لا تستند لا إلى مسألة المبادئ ولا الأخلاق ولا القيم، مواقف نقدية بالنقد، كم تدفع له في مقابل موقفه، كذا كذا "فلوس"، بكم تشتري منه موقفه، فيعادي ويقاتل ويبغض وينضم إلى جبهة ما بأي شكل من الأشكال، يشتغل لصالح الطاغوت، بأي نحو من الأنحاء، وبأي طريقة من الطرق، ضمن الجبهات الكثيرة والمجالات المتعددة، يتحرك بحسب اختصاصه، أو بحسب إمكاناته، أو بحسب ما يُطلب منه، يتحرك ضمن صف الطاغوت، مقابل الأطماع، هؤلاء عبيد المال، عبيد الطمع، الذين يتخلّون عن مبادئهم وقيمهم وإسلامهم فيبيعون أنفسهم للطاغوت، والله هم خاسرون.
والبعض أيضا هم في حالة التخاذل لاعتبارات أخرى، اعتبارات مثل المناصب، موقفه مرهون بمنصب معين، هو حاضر لأن يتخذ موقفا على أساس المنصب، ليس على أساس المبدأ، ولا على أساس القيم، ولا على أساس من المسؤولية التي يفرضها الله عليه، لا، ربط المسألة بمنصب معين، يعطى ذلك المنصب وهو سيتبنى الموقف، وإلا فسيتخاذل ويقعد مع القاعدين في موقف حسبه الله وحسبه رسوله لصالح الطاغوت، ويعذبه الله عليه، (كان حقا على الله أن يدخله مدخله).
والبعض هم أيضا ضحية للتضليل، لحالة التضليل الكبيرة، لماذا، لأنهم لم يكن عندهم أي اهتمام ولا جدّية في أن يطَّلعوا على الحقائق، وفي أن يعرفوا الحق، وإلا طبيعة الأوضاع والأحداث والمتغيرات والظروف طبيعتها توضح وتكشف الحقائق لكل من يحرص على معرفة الحقائق، ويسعى إلى أن يكون في موقف الحق، لاحظوا اليوم، كل الجبهات التي تشتغل في داخل الأمة لصالح أعداء الأمة، هي واضحة، مكشوفة في ارتباطها بأمريكا وإسرائيل، سواء ما كان منها من خلال الدور التخريبي لبعض الأنظمة العربية، كالنظام السعودي والنظام الإماراتي، وإن تَلبَّسوا بالإسلام، وإن قدموا العناوين الإسلامية، لكن أليس ارتباطهم بأمريكا في مواقفهم هذه واضحا، أليسوا يحظون بالمظلة الأمريكية، والغطاء الأمريكي، والدعم الأمريكي، وإن كان موقفهم في الحقيقة ما هو إلا امتداد للموقف الأمريكي، فالموقف في أصله أمريكي، هم فيه أدوات، يستغلهم ويحركهم لضرب الأمة، ورضوا هم لأنفسهم هذا الدور التخريبي.
ثم أيضا امتداداتهم داخل بعض الشعوب وفي بعض البلدان، مثلما هو حال المدّ التكفيري، المدّ التكفيري هو امتداد مدعوم من تلك الأنظمة، وامتداد لهم، من النظام السعودي، والنظام الإماراتي، ثم النظامين السعودي والإماراتي كلاهما امتداد في دورهما لمؤامرات أمريكا ومكائد إسرائيل، وهذه مسألة من أوضح الأمور، ليست خفية، أدنى قدر من التأمل يتضح لأي إنسان، ولكن البعض يعجبهم ويرغبون في أن يكونوا عميا وصمّا وبكما، وألا يرون هذه الحقائق الجلية والواضحة.
فإذن الإمام الحسين عليه السلام هو أكّد لنا وحدّد لنا ووثّق لنا بالفعل وبالقول مسألة من أهم المسائل، التي تُعنى بها الأمة في كل أجيالها، وفي كل مراحل تاريخها، وتشكل هي حماية للأمة، اليوم الذي يحمينا كشعوب مستهدفة، من تلك القوى من أمريكا ومن إسرائيل، ويحمينا كذلك ممن هم امتداد لأمريكا وإسرائيل، يعملون ضمن مؤامرات أمريكا وإسرائيل، ويلعبون دورا تخريبيا في داخل الأمة لصالح أمريكا وإسرائيل، الذي يحمينا كشعوب مستهدفة من كل قوى الطغيان تلك هو ذلك الموقف الحسيني الإسلامي المبدئي الأخلاقي، بقدر ما تتجذر وتترسخ فينا هذه المبادئ، وهذه القيم، وهذه الروحية، وهذه الأخلاق، بقدر ما نكون أباة، ونتحرك بمسؤولية عالية، وبكل جدّية، ونتوكل على الله، فنحظى بنصره، ونحظى بعونه، لأنه لا يريد لنا أن نُظلم، ولا يريد لنا أن نستعبد من دونه، ولا يريد لنا الهوان، دينه دين عزة، )وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين(، ودين كرامة، ودين أراد لنا الله فيه أن ننعم بالعدل، وأن نسعد بالحق، ولكن أولئك أرادوا أن يجعلوا من هذا الإسلام شكلا لا عدل فيه، لا قيم فيه، لا أخلاق فيه، فيه ركعة في الصلاة في الحَرَم لله، وفيه ركوع في كل شؤون الحياة للبيت الأبيض، هذه الحالة التي يمقتها الإسلام ولا يقبل بها الإسلام.
اليوم نحن في هذه المرحلة بالذات في كل ما تواجهه الأمة من فتن، في كل ما يواجهه شعبنا اليمني من محن، بحاجة إلى هذا المبدأ العظيم، باعتباره مبدأ إسلاميا، وباعتباره الخيار الذي اتخذه شعبنا العزيز في التصدي للعدوان الأمريكي والإسرائيلي، والذي اتخذه الأحرار في منطقتنا العربية والإسلامية، في التصدي لقوى الطاغوت، بدءا من موقف المقاومة في لبنان وفلسطين، ضد إسرائيل، وما اتخذه الأحرار والشرفاء في التصدي للخطر الأمريكي والهيمنة الأمريكية والاحتلال الأمريكي في العراق وفي سائر البلدان، ثم التصدي للمدّ التكفيري الذي هو امتداد للصهيونية، وامتداد لأمريكا وإسرائيل، إنما هو خيار مسؤول بكل ما تعنيه الكلمة، خيار مبدئي، خيار محقّ، وخيار واعٍ، لأن البديل عنه أن نكون ضحية للطغاة والمستكبرين، وأن نكون مسؤولين حين إرخاص أنفسنا، وحين استسلامنا لقُوى الطاغوت المستكبرة، لتعبث بنا، هذا من الدروس المهمة، وهي كثيرة جدا، ولكنه من أهم الدروس التي يجب أن نستفيد منها، وأن نرسّخها وهو يمثل أيضاً صلةً لنا بالإمام الحسين عليه السلام علَم الهُدى الولي العظيم من أولياء الله سبحانه وتعالى الذي نرتبط به في ديننا الإسلامي من موقعه في القدوة ومن موقعه في الهداية.
ونحن في يوم الحسين اليوم الذي علّمنا فيه الحسين سبط رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله أن نقف موقف الحق وما تمليه علينا المسؤولية مهما كان الثمن نؤكد على التالي:
أولاً: ثباتنا على موقفنا المبدئي والأخلاقي تجاه نصرة الشعب الفلسطيني والمقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف وحق استرداد الأرض المغتصبة المقتطعة في فلسطين وغيرها من ديار الإسلام، وعِدائنا لإسرائيل ككيانٍ غاصبٍ معتدٍ يشكّل تهديداً وخطراً على أمتنا كافة، وعدوا للأمة في دينها ودنياها، كما نؤكد وقوفنا إلى جانب المقاومة في لبنان وفلسطين لمواجهة هذا العدو انطلاقاً من مبادئنا وقيمنا وما تفرضه علينا المسؤولية.
ثانياً: نؤكد ثبات موقفنا في مناهضة الهجمة الأمريكية الاستعمارية المعادية التي تستهدف بلدان المنطقة وكافة الأمة بمؤامراتها ومكائدها التدميرية من فتنٍ وحروبٍ وتقسيم، وكان من ضمنها المد التكفيري والدور التخريبي لبعض الأنظمة العربية.
ثالثاً: أدعو شعبنا العزيز إلى رفد الجبهات والعناية بكل ما من شأنه تعزيز موقفه في كل المجالات للتصدي للعدوان الأمريكي السعودي الغاشم، الهادف إلى احتلال بلدنا واستعباد شعبنا والمرتكب في سبيل سعيه لتحقيق ذلك أبشع الجرائم والفظائع، إضافةً إلى الحصار والتجويع ونشر الأوبئة.
رابعاً: أدعو الجهات الرسمية في بلدنا في المجلس السياسي الأعلى والحكومة وكافة مؤسسات الدولة إلى بذل أقصى الجُهد، والجهات للنهوض بمسؤولياتها في هذه المرحلة التاريخية والاستثنائية في تفعيل مؤسسات الدولة في القيام بدورها في التصدي للعدوان في كل المجالات وفي العناية بخدمة المواطنين.
خامساً: أدعو كافة المكونات والقُوى في الداخل المناهضة للعدوان إلى المزيد من التعاون وتعزيز الروابط الأخوية والحفاظ على وحدة الصف وإفشال مساعي الأعداء لتفكيك الجبهة الداخلية على المستوى السياسي وعلى المستوى الاجتماعي، كما أُشيد مجدداً بدور القبائل اليمنية المتميّز والكبير والتاريخي في التصدي للعدوان مع التنبيه للجميع بالحذر من مساعي قُوى العدوان لتخريب السلم الاجتماعي وإثارة الفتن وإلهاء الجميع عن التصدي للخطر الحقيقي المتمثل بما تفعله وما تهدف إليه قوى العدوان بحق بلدنا وشعبنا.
نحن في هذا اليوم التاريخي نتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بأن يوفقنا للسير في نهج الحسين، نهج الإسلام المحمدي الأصيل، وأن يثبّتنا فيما يرضيه عنا من المواقف المسؤولة والمبدئية والأخلاقية، كما نأمل من الله سبحانه وتعالى أن يرحم شهداءنا الأبرار، ونسأله أن يشفيَ جرحانا وأن يفك أسرانا وأن يفرّج عنا وعن شعبنا المظلوم وعن أمتنا الإسلامية كافة.
وأشكر لكم هذا الحضور الكبير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..