صنعاء- سبأ: مرزاح العسل
اعتمدت محكمة العدل الدولية في لاهاي الخميس، قراراً جديداً بالأغلبية يقضي بإلزام كيان العدو الصهيوني باتخاذ التدابير اللازمة من أجل ضمان دخول الإمدادات الغذائية الأساسية إلى قطاع غزة، ووقف انتشار المجاعة فيه.
ويُعد القرار وهو ثاني قرار لها خلال الفترة الأخيرة، والذي تم اعتماده بأغلبية 14 صوتاً من أصل 16، مُلزماً لكيان العدو الصهيوني، ويُجدّد التأكيد على التدابير الاحترازية التي وردت في القرار التي أصدرته في 26 يناير الماضي.
ويأتي هذا القرار بعد قرار مجلس الأمن الدولي الذي تضمّن عملياً إدانة لكيان العدو الصهيوني عبر مطالبته بوقف فوري لإطلاق النار.
وعلى الرغم من عدم وجود آلية تنفيذية لإلزام كيان العدو الصهيوني بالتقيد بالقرارين، تنظر مصادر قانونية ودبلوماسية إلى القرارين بصفتهما تعبيراً عن مزيد من العزلة تصيب الكيان الغاصب، وعن عجز واشنطن عن تقديم المزيد من الحماية.
وتوقعت مصادر دبلوماسية أن تطرح الجزائر على مجلس الأمن إصدار قرار يؤكد على قرار المحكمة ويدعو لتنفيذه.
وفي تفاصيل القرار الجديد.. أمر قضاة المحكمة الدولية العدو الصهيوني باتخاذ كل الإجراءات الضرورية والفعّالة من أجل ضمان دخول الإمدادات الغذائية الأساسية لقطاع غزة، ووقف انتشار المجاعة فيه.
وقرّرت المحكمة، بالإجماع، اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان التعاون الوثيق مع الأمم المتحدة من دون تأخير، وتوفير الخدمات من جانب جميع الأطراف المعنية، وخصوصاً من خلال زيادة القدرات، وعدد المعابر البرية وإبقائها مفتوحةً.
كما قررت ضمان ألا يرتكب "جيش" العدو الصهيوني أعمالاً تشكّل انتهاكاً لأي حق من حقوق الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك منع إيصال المساعدات، بأي شكل من الأشكال.. وقررت المحكمة أيضاً أن يقوم العدو الصهيوني، بعد شهر واحد من اليوم، بتقديم تقرير إليها، عن جميع التدابير التي اتخذتها لتنفيذ الأمر الذي أصدرته.
وفي هذا السياق.. دعت حركة المقاومة الإسلامية حماس المجتمع الدولي، إلى ضرورة أن يترافق أمر محكمة "العدل الدولية" بإدخال المساعدات لقطاع غزّة مع آلية تنفيذ تلزم العدو الصهيوني الذي يستخدم التجويع كسلاح ضدّ المدنيين.
وقالت الحركة في بيان لها الليلة الماضية: إنّ "حكومة العدو، ورغم القرارات السابقة للمحكمة، لا تزال مستمرّة في حرب الإبادة ضدّ شعبنا، دون أي رادع".. مشددة على أنّ الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية للعدو الصهيوني، بضرورة إدخال المساعدات والخدمات الأساسية إلى غزّة؛ يجب أن يترافَق مع آلية تنفيذية يفرضها المجتمع الدولي، تُلزم العدو الفاشي الذي يستخدم التجويع كسلاح ضدّ المدنيين؛ على تنفيذه فورًا، كي لا يبقى هذا القرارُ حبرًا على ورق، فحكومة العدو الفاشي، ورغم القرارات السابقة للمحكمة، لا تزال مستمرة في حرب الإبادة الوحشية ضدّ شعبنا، دون أي رادع".
وأوضحت حماس أن حكومة العدو الصهيوني دَأَبَت على الضرب بكافة القرارات الدولية عرض الحائط، وآخرها القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي والقاضي بوقف إطلاق نار إنساني في قطاع غزّة.
ولفتت إلى أنّ العدو الصهيوني "في سلوك يؤكّد أنّ هذا الكيان الإرهابي يتصرف وكأنه فوق القانون والمحاسبة، بفعل الغطاء الذي توفّره له الإدارة الأمريكية، الشريكة في كافة الجرائم التي تُرتَكَب ضدّ الأطفال والمدنيين العزّل في قطاع غزّة".
وقالت محكمة العدل الدولية في بيان لها: إن الفلسطينيين في غزة يواجهون ظروف حياة آخذة في التفاقم في ظل انتشار المجاعة.
وكانت محكمة العدل الدولية قد أمرت في يناير الماضي، كيان العدو الصهيوني بتجنب أي أفعال قد تقع تحت طائلة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وضمان ألا ترتكب قواتها أي أفعال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
وفي القرار الجديد، أعادت المحكمة تأكيد تدابير يناير، لكنها أضافت أن "إسرائيل" لا بد أن تتخذ إجراءات لضمان تقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والماء والكهرباء، بالإضافة إلى المستلزمات الطبية والرعاية الطبية للفلسطينيين في أنحاء غزة بلا عوائق.
وفي معرض تعليق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، على أمر المحكمة الدولية، المتعلق بالمساعدات الليلة الماضية، قال: "لا موقف لدينا الآن، لأن فريقنا مازال يطلع على نص القرار، إلا أننا نحث "إسرائيل" على تسهيل إدخال مزيد من المساعدات إلى غزة".
وفي انتهاك صارخ للقوانين الدولية، يُقيّد العدو الصهيوني وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ولا سيما براً، ما تسبب في شح إمدادات الغذاء والدواء والوقود وأوجد مجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين في القطاع الذي تحاصره منذ 17 عاما، ويسكنه نحو 2.3 مليون فلسطيني في أوضاع كارثية.
ويواجه العدو الصهيوني أيضاً اتهامات فلسطينية ودولية باستخدام "التجويع" سلاحاً في غزة، بما يرقى إلى مستوى "جريمة حرب"، وتدعوه الأمم المتحدة إلى فتح المعابر البرية لإغراق القطاع بمساعدات إنسانية قبل أن تلتهم المجاعة المزيد من سكانه.
بدوره، شدد رئيس محكمة "العدل الدولية"، نواف سلام، على ضرورة الإجراءات الجديدة التي أقرّتها المحكمة الخميس.. موضحاً، في الوقت نفسه، أنّ هذه الإجراءات لا يمكن أن تحقق مفاعيلها بصورة كاملة، "ما لم يتم الالتزام الفعلي بقرار وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان"، الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي قبل أيام.
وكانت جنوب أفريقيا قد طلبت هذه الإجراءات الجديدة، كجزء من قضيتها المستمرة، والتي تتهم فيها "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة.
ورحّبت جنوب أفريقيا بقرار المحكمة، وقالت رئاسة البلاد، في بيان لها: إنّ "الطريقة الأكثر فعالية لدعم حق الفلسطينيين في الوجود، هي من خلال إجراءات منع الإبادة، والتي حدّدتها المحكمة".. مؤكدةً أنّ الظروف المتغيرة في غزة "تتطلب تنفيذ استراتيجيات جديدة".
وأضاف البيان: إنّ الفلسطينيين لا يستشهدون من جراء القصف والهجمات البرية التي يشنّها الاحتلال فقط، بل بسبب المرض والمجاعة أيضاً، حاثاً على وقف العمليات العسكرية في غزة، والالتزام بما جاء في قرارات "العدل الدولية".
ويُذكر أنّ محكمة العدل الدولية طالبت العدو الصهيوني، قبل شهرين، باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها.. وطلبت المحكمة حينها أن تقدّم "إسرائيل" تقريراً إليها بشأن استجابتها للتدابير المقررة بعد شهر واحد، واتخاذ كلّ التدابير الفورية لحماية الفلسطينيين في غزة، إلى جانب اتخاذ تدابير فورية تسمح بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع.
وعلى الرغم من مطالبات المحكمة وقراراتها، واصل العدو الصهيوني حربه على القطاع.. مكثّفاً استهداف المدنيين ومقوّمات الحياة كافةً، ومشدداً الحصار، بحيث يمنع إدخال المساعدات المطلوبة عبر المعابر البرية، في إطار حرب التجويع التي يتعمّد ممارستها.
وفي السادس من مارس الجاري، طالبت جنوب إفريقيا محكمة العدل الدولية باتخاذ إجراءات طارئة إضافية ضد "إسرائيل" بسبب "المجاعة الواسعة النطاق" التي نتجت عن حربها الشرسة على قطاع غزة.
وفي وقت سابق اتهمت جنوب إفريقيا، العدو الصهيوني بتسجيل سابقة في تحديه قرارات أرفع محكمة في الأمم المتحدة (محكمة العدل الدولية).. مشيرة إلى أن غزة تشهد حملة "تجويع".
وقالت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور خلال ندوة في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" خلال زيارة لواشنطن: إن العدو الصهيوني تحدّى قراراً أصدرته محكمة العدل الدولية في يناير وأمرتها فيه ببذل كل ما في وسعها لمنع الإبادة الجماعية.. مضيفة: إن "إسرائيل تجاهلت تماما الإجراءات الموقتة".
وتابعت بالقول: "نشهد حاليا أمام أعيننا تجويعا جماعيا ومجاعة".. مُحذّرةً من تداعيات خطوة قد تشكّل مثالا يحتذى.. مُبينة أن سلوك العدو الصهيوني يمكن أن تفسّره دول على أنها قادرة على القيام بما تريد من دون أي محاسبة.
وخلص تقييم للأمن الغذائي تدعمه الأمم المتحدة إلى أن غزة تواجه مجاعة وشيكة، إذ يعاني نحو 1,1 مليون شخص، أي نصف السكان تقريبا، جوعاً كارثياً.
وفي ستة "إجراءات مؤقتة"، وجهت المحكمة إنذارا فعليا إلى الكيان الصهيوني.. وحثت الإجراءات هذا الكيان الغاصب وقواته بشكل أساسي على ضمان عدم حدوث إبادة جماعية أثناء الرد على هجوم السابع من أكتوبر، والاحتراس من التحريض على الإبادة الجماعية، والحفاظ على الأدلة وتقديم تقارير إلى المحكمة، كما حثت المحكمة هذا الكيان على "معالجة ظروف الحياة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة".